ليز تراس: فشل سياسي تحول إلى شبح يطارد اليمين البريطاني المعاصر
رغم السخرية منها، لا تزال أفكارها تحيا داخل التيار اليميني البريطاني

رغم رحيلها السريع والمهين من منصب رئاسة الوزراء، لا تزال ليز تراس حاضرة في المشهد السياسي البريطاني. حضورها ليس بسبب قوة أفكارها أو تأثيرها السياسي، بل بروحها التي تجمع بين الهزل والمثابرة، كما وصفها الكاتب رافائيل بهر. هذه الروح تعكس تيارًا فكريًا ما زال يتردد صداه داخل أوساط اليمين البريطاني، في مشهد مرتبك تغذيه الأزمات الاقتصادية والشعبوية المستوردة من الولايات المتحدة.
العودة عبر مؤتمرات اليمين المتطرف
عادت ليز تراس للأضواء من خلال مؤتمر CPAC اليميني في بودابست، حيث ألقت خطابًا تضمن مزاعم بأن اليسار قد “اختطف” المؤسسات البريطانية، وأن هذه المؤسسات تعادي “الحضارة الغربية”. لم تعد تؤمن بالإصلاح التدريجي، بل تنادي بثورة شبيهة بتلك التي قادها دونالد ترامب، وهي نفس الفكرة التي طرحتها في كتابها عشر سنوات لإنقاذ الغرب.
كلامها… ذخيرة للدعاية الروسية
في الوقت الذي تجاهلت فيه وسائل الإعلام البريطانية خطاب تراس، كانت وكالات الأنباء الروسية – وعلى رأسها “تاس” – تحتفي به، خصوصًا حديثها عن “شبكات عالمية تتحكم في الديمقراطيات الغربية”، مما وفر مادة مجانية تُستخدم لتقويض الثقة في الأنظمة الديمقراطية.
رحلتها لم تكن صدفة عابرة
لم تصل تراس إلى قمة السلطة بمحض الصدفة، بل تسلقت سلم حزب المحافظين بذكاء، مستفيدة من قواعد اللعبة السياسية. وحتى عندما كانت مؤهلاتها موضع شك، آثر زملاؤها الصمت أو الدعم طالما كانت تحظى بتأييد رقمي يعزز فرص الحزب.
“التراسية” لا تزال حية داخل الحزب
رغم أن اسمها أصبح مرادفًا للفشل الاقتصادي، فإن الأفكار التي حملتها لا تزال مؤثرة. النظرة التي تقول إن خفض الضرائب سيقود إلى النمو لا تزال تلقى قبولًا داخل الحزب، إلى جانب عداء متجذر للقطاع العام وأفكار العدالة الاجتماعية.
كيمي بادينوك… النسخة الأنيقة من تراس
وزيرة التجارة كيمي بادينوك تمثل تطورًا أكثر حنكة للمشروع نفسه. فهي لا ترى داعيًا للاعتذار عن كارثة ميزانية تراس، وتدعو إلى “ثورة حكومية” على غرار مشاريع إيلون ماسك، مستخدمة شعارات “حرية التعبير” بأسلوب يروق لليمين الأمريكي، حتى لو كان ذلك يعني تجاهل المخاطر العنصرية والتهميش الحقوقي.
نايجل فاراج… الانتهازية باسم الاعتدال
نايجل فاراج، زعيم “ريفرم يو كي”، عبّر سابقًا عن إعجابه بتراس وميزانيتها، لكنه اليوم يتقمص دور المعتدل ليستقطب ناخبي الطبقة العاملة. يبني “وحدة لمكافحة الهدر” في المجالس المحلية، لا لتحسين الأداء الإداري، بل لتبرير تقليص برامج التنوع والشمول.
منظومة تستغل الإحباط الشعبي بنظريات المؤامرة
الخطر الحقيقي لا يكمن في تصديق الناس لتلك الروايات، بل في استخدامها لمخاطبة إحباطهم الحقيقي من الوضع المعيشي. هذه السرديات تزعزع الثقة بالحكومة، ولكن الأخطر أنها تزعزع الإيمان بالديمقراطية نفسها، وتفتح الباب أمام بدائل سلطوية قد تبدو جذابة للبعض.
لماذا يتبرأ اليمين من تراس؟
اليمين البريطاني لا يتجنب تراس بسبب أفكارها، بل لأنها أصبحت رمزًا للفشل والسخرية. فشلها لم يكن في المضمون، بل في التسويق. وما زال كثير من السياسيين يحملون نفس مشروعها، لكنهم أكثر ذكاءً في تقديمه للجمهور.