ادب زد: كيف تستخدم روسيا الروايات الوطنية لتجنيد مراهقيها للحرب
روايات خيالية تسوّق للبطولة والعنف وتستهدف المراهقين قبل سن التجنيد

في زمن الحرب، لا تقتصر أدوات التعبئة على الأخبار والتقارير الرسمية، بل تمتد إلى الخيال الشعبي والأدب. وفي روسيا، برز نوع أدبي جديد يعرف باسم “أدب زد”، يتغلغل في وعي المراهقين ويصوغ بطولات وطنية متخيلة، تدفعهم بهدوء نحو ساحات القتال.
مع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الثالث، تشهد الساحة الثقافية الروسية صعودًا ملحوظًا لما يُعرف بأدب “Z-literature”، وهو نمط من روايات الخيال القومي يتخذ من الحرب محورًا، ويعيد كتابة التاريخ الروسي بصبغة انتصارية خارقة، تجعل من أبطالها أدوات ناعمة للدعاية العسكرية.
إحياء ماضٍ إمبراطوري ببطولات خارقة
يرتكز أدب “زد” على ما يُعرف في الثقافة الروسية بسرديات الـ”بوبادانتسي”، حيث يُنقل أبطال القصة عبر الزمن إلى لحظات مفصلية في التاريخ الروسي، ليعيدوا رسمه باستخدام معارفهم الحديثة. يخلط هذا الأدب بين الحنين إلى الماضي والإحساس بالهيمنة المفقودة، في محاولة لإحياء صورة روسيا كقوة عظمى قادرة على إعادة تشكيل العالم وفق رؤيتها.
دعم غير مباشر من الدولة واهتمام بشريحة مجندة
رغم أن هذا النوع من الأدب لا يُنتَج مباشرة عبر مؤسسات الدعاية الرسمية، إلا أنه يخدم أجندتها بوضوح. يقول الدكتور كولين ألكسندر، أستاذ الاتصال السياسي في جامعة نوتنغهام ترنت، إن الأدب القصصي يُعد وسيلة فعالة لتعبئة الفئات العمرية المستهدفة بالتجنيد، إذ يستثير فيهم الحماسة والعاطفة أكثر مما تفعله الأخبار الرسمية.
من هوليوود إلى القرم: استعارات بطولية هجينة
تستعير بعض هذه الروايات رموزًا من الثقافة الغربية – مثل صورة البطل الخارق في الأدب الأميركي – لكنها تصيغها بروح قومية متطرفة. ففي رواية “PMC خيرسونيسوس” للكاتب أندريه بيليانين، يخوض بطل القصة مهمة شبه أسطورية لإعادة آثار ثقافية إلى القرم، بصحبة شخصيات من الأساطير الإغريقية، بينما يواجه “نازيين زومبي” وغربًا متآمرًا.
أدب بلا مصداقية… لكنه فعال
يصف البروفيسور نيكولاس أوشونسي، أستاذ الاتصال في جامعة كوين ماري بلندن، هذا الأدب بأنه “تجاري ومتحمس لكنه يتبع قالبًا دعائيًا موحدًا”، ويفتقر إلى أي قدر من المصداقية. لكنه في الوقت ذاته مؤثر، لأنه يُقدم للعقول الشابة عالمًا ثنائيًا بسيطًا: “أعداء أشرار في الخارج، وأبطال روس خارقون يستحقون المجد”.
نازية جديدة وروسيا العرق المتفوق
تحمل هذه الروايات، في طياتها، إشارات صريحة إلى مفاهيم تفوق العرق الروسي، وفقًا لأوشونسي، الذي يرى أن الأدب يشبع رغبات دفينة في الانتقام، ويغذي خيالًا جماعيًا يرى في النصر السوفيتي بالحرب العالمية الثانية إنجازًا روسيًا صرفًا، يجب تكراره الآن.
عداء مفتعل وكراهية مُمأسسة
تسعى هذه القصص إلى ترسيخ صورة العدو الخارجي، سواء تمثل في “النازي الأوكراني” أو “الجاسوس الغربي”، ليبرر السرد القصصي كل أشكال العنف ضد الآخر. فالكراهية، بحسب تحليل أوشونسي، هي “الزيت الذي يحرك ماكينة الخيال القومي”.
سوق تستهدف الذكور اليافعين قبل التجنيد
تُظهر تقارير منصة “ميديازونا” المستقلة أن جمهور هذه الكتب من الذكور المراهقين، الذين سيصبحون بعد خمس سنوات فقط في سن التجنيد الإجباري. ويُعد هذا التوقيت مثاليًا لتغذية عقولهم بسرديات الحرب والبطولة، استعدادًا للمستقبل.
من القرم إلى أمستردام: قصص ترتكز على أحداث حقيقية
لا تكتفي هذه الروايات بالخيال، بل تستند أحيانًا إلى وقائع سياسية حقيقية، مثل قضية الذهب السكيثي المعروض في متحف أمستردام قبل ضم القرم، والذي حكمت المحكمة العليا الهولندية لاحقًا بأنه يعود لأوكرانيا. هذه القصص تُوظف لتحويل الخلافات القانونية إلى صراعات بطولية على الهوية والسيادة.
نحو عسكرة الطفولة: الأدب كأداة تجنيد
تحذر الباحثة ياروسلافا باربييري من جامعة برمنغهام من التأثير العميق لهذا الأدب، قائلة: “خلال خمس سنوات فقط، سيكون قراء اليوم هم جنود الغد”. وتؤكد أن موسكو لا تسعى إلى كبح العنف، بل إلى زراعته وتغذيته منذ مرحلة المراهقة.