علوم وتكنولوجيا

الجيل الخامس من “شات جي بي تي”: تقدم ملحوظ من OpenAI لكنه لا يزال عاجزًا عن أداء وظائف البشر

GPT-5 يوسّع قدراته... والذكاء البشري ما زال بعيدًا

أعلنت شركة OpenAI إطلاق التحديث الأحدث لنموذجها اللغوي الشهير ChatGPT، الذي يعمل هذه المرة بتقنية GPT-5، واصفة الخطوة بأنها “تقدم كبير” نحو الذكاء العام الاصطناعي (AGI)، وهو المفهوم النظري الذي يرمز إلى أنظمة ذكية قادرة على أداء معظم المهام التي ينفذها البشر بكفاءة اقتصادية عالية. ورغم هذا التطور، اعترف المدير التنفيذي للشركة سام ألتمان أن النموذج لا يزال يفتقر إلى خصائص حيوية، وعلى رأسها القدرة على “التعلم المستمر“، وهي خاصية يعتبرها البعض جوهرية لبلوغ الذكاء العام الحقيقي.

 

تحسينات تقنية على مستوى الأداء والمخرجات

بحسب OpenAI، يتفوق GPT-5 على الإصدارات السابقة في مجالات البرمجة والكتابة الإبداعية وتوليد المحتوى متعدد الوسائط. النموذج الجديد أصبح أقل ميلًا للمجاملة غير المنطقية، وهي سمة وُصفت في الإصدارات السابقة بأنها مفرطة ويمكن أن تزعج المستخدم. كما أن معدلات “الهلوسة” أو الأخطاء المعلوماتية تراجعت بشكل ملحوظ، وهو ما يزيد من موثوقية الأجوبة.

 

نحو تعامل أكثر مرونة مع الأسئلة الحساسة

في نقلة نوعية، لم يعد النموذج يرفض الإجابة عن الأسئلة التي قد تتجاوز السياسات التوجيهية بشكل قطعي، بل يحاول تقديم رد مفيد ضمن الحدود، أو يوضح السبب وراء عدم قدرته على المساعدة. كما طُوّرت استجابته للأسئلة الصحية ليصبح أكثر حرصًا على تنبيه المستخدمين إلى القضايا الجسدية أو النفسية الخطيرة، وإن ظل التأكيد على أنه ليس بديلًا عن الرعاية الطبية أو النفسية المحترفة.

 

دمج أعمق في حياة المستخدمين الرقمية

أحد التطورات الملحوظة هو قدرة “الوكيل” في ChatGPT على الوصول – بإذن المستخدم – إلى بيانات البريد الإلكتروني (Gmail) والتقويم وجهات الاتصال، مما يوسع نطاق المهام التي يمكن تنفيذها، مثل حجز المطاعم أو التسوق. وبفضل دعم الأنماط الثلاثة (نص، صوت، صورة)، يواصل النموذج الجديد تقوية قدرته على فهم واستيعاب تفاعلات المستخدم متعددة الوسائط.

 

غياب القدرة على التعلم المستمر: فجوة مركزية في الطريق إلى AGI 

رغم التحسينات، أشار ألتمان بوضوح إلى أن GPT-5 يفتقر إلى خاصية “التعلم المستمر من التفاعلات أثناء التشغيل”، والتي تعتبر شرطًا حاسمًا لتحقيق الذكاء العام. وهذا يعني أن النموذج لا يمكنه تعديل معارفه أو بناء ذاكرة دائمة بناءً على تجاربه مع المستخدمين – على عكس العقل البشري. هذا القصور يجعل النموذج متقدمًا تقنيًا، لكنه لا يزال بعيدًا عن “تفوق البشر في العمل الاقتصادي”.

مخاوف وتوقعات حول تأثير GPT-5 على سوق العمل 

في ضوء الإمكانات الجديدة، يُحذر خبراء الذكاء الاصطناعي من تأثير GPT-5 وغيره من النماذج المتطورة على مستقبل الوظائف، خاصة في القطاعات الإدارية والمكتبية. إذ يرى داريو أمودي، المدير التنفيذي لشركة Anthropic المنافسة، أن التكنولوجيا الحالية قد تؤدي إلى استبدال نصف الوظائف المكتبية المبتدئة خلال خمس سنوات.

 

شركات التكنولوجيا تدخل مرحلة “السباق الفائق” نحو الذكاء الخارق

إطلاق GPT-5 جاء في سياق منافسة محتدمة بين عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل وميتا. فقد أعلنت وحدة الذكاء الاصطناعي في غوغل هذا الأسبوع عن تطوير “نموذج عالمي” غير معلن بعد، بينما وصف مارك زوكربيرغ – رئيس ميتا – فكرة “الذكاء الخارق” بأنها باتت “قريبة المنال”. ويبدو أن هذه التصريحات تعزز الزخم الاستثماري في هذا المجال.

 

قيمة سوقية قياسية وسط طموحات لا حدود لها

انعكست الثقة الكبيرة في مستقبل OpenAI على تقييمها السوقي، إذ أفادت تقارير بأنها تجري محادثات لبيع أسهم موظفين سابقين وحاليين ضمن صفقة قد ترفع قيمة الشركة إلى 500 مليار دولار، متجاوزة بذلك قيمة “سبيس إكس” التي يملكها إيلون ماسك، لتصبح من بين أعلى الشركات قيمة في العالم.

 

نموذج ربحي جديد قائم على الاشتراك والبنى التحتية للشركات

رغم توفر نسخة مجانية من GPT-5، إلا أن OpenAI تحقق أرباحها من الاشتراكات المدفوعة، وتحديدًا الباقة الاحترافية التي تبلغ 200 دولار شهريًا، والتي تمنح المستخدمين وصولًا غير محدود للنموذج الأحدث. كما تربح الشركة من إدماج نماذجها في الأنظمة الداخلية لمؤسسات الأعمال، مما يعزز انتشارها التجاري.

اقرأ أيضاً تحوّل استراتيجي في وادي السيليكون: عندما تفتح OpenAI أبوابها لمواجهة الصين

خلاصة: خطوات عملاقة نحو المستقبل، لكن لا يزال أمامها طريق طويل

يُعد GPT-5 بلا شك إنجازًا تقنيًا بارزًا في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلا أن OpenAI تقر بأن الذكاء العام لا يزال هدفًا بعيدًا. فالطموحات في خلق “عقل صناعي” قادر على التعلم الدائم واتخاذ قرارات مستدامة لا تزال تصطدم بعقبات تقنية وفلسفية. ومع ذلك، فإن العالم يقف أمام مرحلة فارقة في العلاقة بين الإنسان والآلة، ما يستدعي يقظة أخلاقية وتشريعية متجددة لمواكبة هذا الزحف التكنولوجي المتسارع.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى