علوم وتكنولوجيا

كيف سيغير الذكاء الاصطناعي مستقبل التنبؤات الجوية؟

عصر جديد في فهم الطقس والتعامل معه

لطالما كان التنبؤ بالطقس علمًا معتمدًا على معادلات فيزيائية معقدة وأجهزة رصد دقيقة، لكنه رغم تطوره الكبير في العقود الماضية، ظلّ يواجه تحديات في التنبؤ الدقيق والعالي الدقة، خاصة في ظل ظواهر مناخية متقلبة ومتسارعة بفعل تغيّر المناخ. اليوم، يدخل الذكاء الاصطناعي على الخط، ويعيد تشكيل مشهد الأرصاد الجوية بالكامل، واعدًا بتوقعات أسرع وأرخص وأكثر دقة. فهل تنجح الخوارزميات في ما عجزت عنه الحواسيب العملاقة؟ وهل نحن أمام ثورة حقيقية في علم الأرصاد؟

اقتصاد الطقس: 3 تريليونات دولار على المحك

في الولايات المتحدة وحدها، يعتمد نحو ثلث الاقتصاد — أي ما يعادل 3 تريليونات دولار — على حالة الطقس والمناخ. من شركات الطيران إلى الزراعة والطاقة، يمكن لأي تحسن في دقة التوقعات أن ينقذ مليارات من الخسائر، ويمنح فُرصًا استثمارية وأمنًا تشغيليًا أوسع. مع تعاظم تأثير التغير المناخي، أصبح التنبؤ الدقيق ضرورة استراتيجية، لا مجرد ترف علمي.

الطقس كنظام فوضوي: كيف تُصنع التوقعات؟

الطقس بطبيعته فوضوي، وكل تغير طفيف في الغلاف الجوي قد يؤدي إلى تحولات كبرى في مكان آخر، فيما يُعرف بـ”أثر الفراشة”. لتوقع الحالة الجوية، يجمع خبراء الأرصاد ملايين البيانات من أدوات متنوعة، مثل بالونات الطقس، والطائرات التجارية، والأقمار الصناعية. تُدمج هذه البيانات مع توقعات سابقة باستخدام تقنية تُعرف بـ”دمج البيانات” (Data Assimilation) لتكوين صورة حديثة عن الغلاف الجوي تُغذى إلى نماذج حاسوبية لحساب التنبؤات المستقبلية.

الذكاء الاصطناعي يدخل اللعبة: من الفيزياء إلى البيانات

منذ عام 2022، بدأت مؤسسات بحثية وشركات تقنية عملاقة — مثل Google DeepMind — باستخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير نماذج جوية تتعلم من أرشيفات ضخمة للطقس السابق، دون الاعتماد على المعادلات الفيزيائية التقليدية. هذه النماذج أسرع وأقل تكلفة، وتُظهر تفوقًا في بعض المقاييس على النماذج الكلاسيكية، خاصة في توقعات الأعاصير ومساراتها

.

أبطال التوقعات: أمريكا وأوروبا في سباق دقة التنبؤ

هناك نموذجان عالميان رائدان: النموذج الأميركي GFS والنموذج الأوروبي ECMWF. النموذج الأوروبي يتفوق من حيث الدقة، رغم أن الأمريكي متاح مجانًا، في حين يُباع الأوروبي بترخيص تجاري بملايين الدولارات. يُستخدم هذا الأخير في تطبيقات كبرى مثل تطبيق الطقس من Apple وGoogle Weather، ويجري تحسينه حاليًا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوقع درجات الحرارة بدقة تتجاوز النماذج التقليدية.

مواطن ضعف التوقعات: من العواصف المحلية إلى الأمطار الاستوائية

رغم التقدم، تبقى بعض جوانب الطقس صعبة التنبؤ، مثل العواصف المحلية الشديدة، والأمطار في المناطق الاستوائية. السبب يعود إلى قلة البيانات الميدانية، وتعقيد الأنظمة الجوية في تلك المناطق. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، إذ تستخدم شركات ومؤسسات حكومية تقنيات التعلم الآلي ورؤية الحاسوب لتحسين “التوقعات اللحظية”، خاصة في بلدان مثل هونغ كونغ وباكستان، حيث تُستخدم التوقعات الدقيقة لتحديد وقت هطول المطر بدقة الساعات القليلة المقبلة.

ما وراء الطقس اليومي: التوقعات “شبه الموسمية” ودور الذكاء الاصطناعي

التنبؤات الجوية التي تمتد بين أسبوعين إلى 3 أشهر تُعرف بالتوقعات “شبه الموسمية”، وتُعد من أصعب أنواع التنبؤ، لكنها في غاية الأهمية للزراعة والطاقة والتأهب للكوارث. الذكاء الاصطناعي هنا يفتح آفاقًا جديدة، كما في دراسة صينية حديثة تفوقت فيها خوارزميات الذكاء الاصطناعي على النموذج الأوروبي في توقع الظاهرة المدارية “تذبذب مادن–جوليان”، التي تُعد مفتاحًا لتحديد أنماط الطقس البعيد.

الدمج لا الإلغاء: الذكاء الاصطناعي شريك لا بديل

رغم نجاحات الذكاء الاصطناعي، يتفق الخبراء على أنه لن يُلغي النماذج التقليدية بل سيُكملها. فهذه النماذج الجديدة لا تعمل دون بيانات أرصاد جوية ضخمة جُمعت تقليديًا، كما أنها تواجه تحديات في فهم الديناميكيات غير المتوقعة مثل شدة العواصف. الاستخدام المثالي — وفقًا للخبراء — هو الدمج بين النماذج الفيزيائية والنماذج الذكية، للحصول على توقعات أكثر واقعية وفعالية.

الطريق إلى الأمام: توقعات أكثر محلية، وقرارات أكثر استباقية

الذكاء الاصطناعي يُمكّن من تحويل التوقعات العامة إلى خرائط دقيقة مفصلة على مستوى الأحياء والقرى. هذا مهم للغاية في التكيف مع التغير المناخي، وتخطيط الطاقة، وإدارة الطوارئ. من نموذج Nvidia الذي يقدم خرائط مفصلة للأعاصير، إلى مشاريع سويدية تُعنى بالمزارعين في الدول النامية، تتسع خريطة التطبيقات الممكنة. العالم الآن أمام فرصة ذهبية لإعادة تعريف الطقس — ليس كواقع نتعامل معه، بل كمعطى يمكن التنبؤ به، والتحكم بمخاطره.

أقرأ ايضا:

في ذكرى وفاة شقيقتها.. المطربة أمينة عبر انستجرام: خافت تعمل عملية

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى