كيف نعيش حتى المئة: دور المجتمع في تعزيز الصحة وطول العمر
ليست الحمية والرياضة وحدهما كافيتين... البيئة الصحية تصنع الفارق الحقيقي

لطالما ارتبطت فكرة العمر الطويل بالنظام الغذائي الصحي وممارسة التمارين الرياضية. لكن من خلال تجربتي الشخصية ومعرفتي الأكاديمية كعالمة في مجال الصحة العامة، أرى أن الوصول إلى عمر مئة عام لا يعتمد فقط على العادات الفردية، بل يتأثر أيضًا بالبنية الاجتماعية والمجتمعية التي نعيش فيها. فالصحة ليست مسألة فردية بحتة، بل مسؤولية جماعية تُبنى من خلال بيئة داعمة.
ارتفاع متوسط الأعمار.. ولكن ليس للجميع
شهد العالم خلال القرن الماضي تحسنًا في متوسط الأعمار، وولد الأطفال وهم يحملون آمالًا بحياة أطول من آبائهم. غير أن هذه الآمال باتت حكرًا على الأغنياء، وخاصة مليارديرات وادي السيليكون الذين يستثمرون ثرواتهم في تقنيات إطالة العمر. في المقابل، بدأت بعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشهد تراجعًا مقلقًا في متوسط الأعمار.
أزمة صحة عامة تتجاوز حدود الفقر والغنى
في بريطانيا، بدأ متوسط العمر المتوقع بالتراجع حتى قبل جائحة كوفيد-19، أما في أمريكا، فانخفض لأكثر من عامين. وبينما تزداد معدلات السمنة بشكل مخيف – حتى في دول نامية مثل غانا – أصبح الحصول على هواء نقي ترفًا نادرًا، وازدادت المشكلات النفسية بفعل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
الفجوة بين المعرفة والممارسة
دائمًا ما يُقال لنا إن الرياضة والغذاء الصحي يطيلان العمر، لكن الواقع يُظهر فجوة بين معرفتنا حول العادات الصحية وبين التدهور الفعلي في صحة السكان. لقد جرّبت شخصيًا معظم أنماط الحياة الصحية، من النباتية إلى الرياضات المتنوعة، بل وحصلت على شهادة تدريب بدني. ورغم ذلك، أعلم أن تأثيري الفردي محدود، لأن العوامل الأكبر تتحكم فيها السياسات العامة والبيئة الاجتماعية.
البيئة الصحية سر العمر الطويل
تشير الدراسات إلى أن المجتمعات التي يتمتع سكانها بعمر أطول – مثل اليابان وسردينيا ومدريد – لا تعتمد على الوعي الفردي فقط، بل على بيئة تجعل الحياة الصحية أمرًا طبيعيًا. فاليابانيون على سبيل المثال أقل عرضة للإصابة بالسرطان أو هشاشة العظام مقارنة بالأمريكيين، ليس لأنهم أكثر وعيًا، بل لأن بيئتهم توفر ظروفًا صحية دون عناء.
لماذا لا تكفي الإرادة الفردية وحدها؟
في دول مثل بريطانيا، يُنفق الكثير على حميات ومنتجات التخسيس، بينما في اليابان، تكاد تكون هذه السوق غير موجودة. الفارق ليس في القوة الإرادية، بل في أن اليابانيين يعيشون في بيئة توفر طعامًا صحيًا، ومدارس تقدم وجبات مغذية، ومدن تشجع على النشاط البدني. الصحة في هذه المجتمعات ليست خيارًا، بل جزء من النمط اليومي.
الأغنياء يعيشون أطول.. ولكن لماذا؟
الأثرياء يستطيعون حماية أنفسهم من التلوث، يشترون الأغذية العضوية، ويستفيدون من رعاية صحية خاصة. لكن الأغلبية لا تملك هذه الإمكانيات. يعيش معظم الناس في بيئات لا تدعم نمط حياة صحي، ويعتمدون على ما توفره المدارس والأسواق والمرافق العامة. من المستحيل فصل الفرد عن بيئته المحيطة.
نحو مجتمع يؤمن بالحق في الصحة
في كتابي الأخير، أؤكد أن العيش حتى سن المئة لا يتحقق فقط بنشر صور تمارين رياضية على إنستغرام، بل من خلال مجتمع يدعم صحة أفراده. نحن بحاجة إلى سياسات عامة توفر غذاءً جيدًا، وهواءً نقيًا، ومدنًا نشطة، ورعاية صحية وقائية. الصحة ليست رفاهية، بل حق أساسي يجب أن تضمنه الدولة.
الخلاصة: سر العمر الطويل ليس فرديًا
ربما السر الذي بحث عنه المستكشف بونس دي ليون لا يكمن في نبع سحري، بل في نظام صحي عادل، وبنية تحتية قوية، ومجتمع متكافل. وإذا أراد أثرياء العالم فعلاً أن يطيلوا أعمارهم، فربماعليهم أن يبدؤوا ببناء مجتمعات صحية، لا فقط أجساد خارقة.