استطلاع: الأوروبيون يؤيدون زيادة الإنفاق الدفاعي وسط تهديدات روسية ومخاوف من عودة ترامب

في ظل تصاعد المخاوف من سياسة روسيا العدوانية واحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أظهر استطلاع للرأي أن الأوروبيين باتوا أكثر ميلاً لدعم زيادة الإنفاق العسكري، بل وحتى إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية في بعض الدول. ويعكس هذا التوجه شعورًا متزايدًا بانعدام الأمن، وقلقًا من مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة في حال تبدل قيادتها السياسية.
وفقًا لاستطلاع أجرته المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في 12 دولة أوروبية، أيدت غالبية ساحقة في بولندا (70%) والدنمارك (70%) والمملكة المتحدة (57%) زيادة الإنفاق العسكري. أما في ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، فاقتربت نسب التأييد من 45%، بينما كانت إيطاليا الاستثناء الأبرز، حيث لم تتجاوز نسبة المؤيدين 17% مقابل معارضة 57%.
الخدمة العسكرية الإلزامية تعود إلى الواجهة
عبّر المشاركون في فرنسا (62%) وألمانيا (53%) وبولندا (51%) عن دعمهم لإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية، رغم أن هذا التأييد لم يكن متبادلاً لدى فئة الشباب من 18 إلى 29 عامًا، وهي الفئة التي يُحتمل استدعاؤها أولًا حال اندلاع أي صراع. ففي ألمانيا مثلاً، أعرب 49% من كبار السن فوق السبعين عن تأييدهم للخدمة الإلزامية، مقابل 46% من الشباب الذين عارضوها.
أما في دول أخرى مثل إيطاليا والمملكة المتحدة وإسبانيا والمجر، فكانت المعارضة لفكرة التجنيد الإجباري أكثر وضوحًا، بنسب تجاوزت 50%.
ترامب يقسم الرأي العام الأوروبي
كشف الاستطلاع أيضًا عن انقسام حاد بين الأوروبيين إزاء دونالد ترامب. ففي المملكة المتحدة وألمانيا، يعتقد 74% و67% من المشاركين على التوالي أن النظام السياسي الأمريكي “مكسور”. ويشير معدو التقرير إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا باتت تنظر إلى ترامب كنموذج سياسي، كما كانت الأحزاب الشيوعية سابقًا تنظر إلى الاتحاد السوفيتي.
ويبدو أن حتى بعض أنصار اليمين القومي لا يبدون ارتياحًا لعودة ترامب؛ إذ يرى 34% من ناخبي حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، و28% من أنصار حزب “التجمع الوطني” في فرنسا، و30% من مؤيدي حزب “الإصلاح” البريطاني أن إعادة انتخاب ترامب ستكون “سيئة جدًا” أو “سيئة إلى حد ما” بالنسبة للأمريكيين.
دفاع أوروبي مستقل؟ حلم بعيد المنال
في الوقت نفسه، شكك معظم الأوروبيين المستطلعة آراؤهم في إمكانية استقلال القارة دفاعيًا عن الولايات المتحدة. ففي ألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا، اعتبر كثيرون أن تحقيق هذا الهدف “صعب جدًا” أو “شبه مستحيل”. الاستثناء الوحيد جاء من الدنمارك، حيث أبدى 52% تفاؤلًا بإمكانية تحقيق الاكتفاء الدفاعي الأوروبي.
ولم يكن من المستغرب أن تأتي أعلى نسب المعارضة لترامب من الدنمارك، الدولة التي لطالما أبدى ترامب طموحًا لشراء جزيرتها الكبرى “جرينلاند”. حيث قال 86% من الدنماركيين إن النظام الأمريكي مكسور، و76% يرون أن فوز ترامب سيكون “أمرًا سيئًا” للأمريكيين.
نحو رادع نووي أوروبي؟
أظهر الاستطلاع أيضًا ميلاً لدى عدد من الشعوب الأوروبية نحو تطوير قدرة ردع نووي مستقلة عن الولايات المتحدة، وخاصة في بولندا (60%)، والبرتغال (62%)، وإسبانيا (54%). أما في ألمانيا، فبلغ التأييد لهذا الخيار 39% فقط، رغم دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس لمشاركة نووية أوروبية بين برلين وباريس ولندن، مع تأكيده أن ذلك لا يغني عن الحماية الأمريكية.
رفض أوروبي للانجرار خلف ترامب في أوكرانيا
في تطور لافت، أبدت غالبية الأوروبيين رفضها لفكرة الانصياع لأي توجهات من ترامب تدعو أوكرانيا إلى التنازل عن أراضٍ محتلة أو رفع العقوبات المفروضة على روسيا. حتى في المجر، التي تعرف ببطء استجابتها للعقوبات، عارض 40% من المشاركين السير في هذا الاتجاه الأمريكي.
ويقدم التقرير تفسيرين لهذا التوجه: الأول أن الأوروبيين يريدون تبني سياسة خارجية مستقلة لدعم أوكرانيا، والثاني أنهم يفضلون استمرار الأوكرانيين في القتال دفاعًا عن القارة بالوكالة.
“شعور بعدم الأمان يخيّم على أوروبا”
يخلص التقرير إلى أن صعود ترامب مجددًا يثير مخاوف واسعة في أوروبا، ويغذي الدعوات لزيادة الإنفاق العسكري، وإحياء الخدمة الإلزامية، وتوسيع القدرات النووية الذاتية. ويقول إيفان كراستيف، أحد معدي التقرير: “أن تكون مواليًا لأمريكا اليوم يعني أن تكون ناقدًا للاتحاد الأوروبي، وأن تكون أوروبيًا يعني أن تنتقد أمريكا بقيادة ترامب”.