القاضية الأعلى في بريطانيا: لا وقت للانهيار.. بل لحماية القضاء

في مواجهة أزمات غير مسبوقة تهدد منظومة العدالة في بريطانيا، أكدت السيدة سو كار، أول امرأة تتولى منصب رئيسة القضاة في إنجلترا وويلز، أن الوقت ليس للبكاء على الأطلال، بل لحماية كرامة القضاء واستقلاله، وسط ضغوط سياسية ومؤسسية متزايدة.
منذ توليها المنصب عام 2023، تخوض كار معركة يومية ضد شلل المحاكم، تدهور البنية التحتية، التدخلات السياسية، وتزايد التهديدات ضد القضاة.
هدوء تحت الضغط: قيادة في وجه العاصفة
رغم أجواء التوتر، تحافظ كار على هدوئها الظاهري، وتقول بثقة إنها لم تفكر أبدًا في التنحي رغم الضغوط المتزايدة.
“كلما رأيت ضوءًا في نهاية النفق، أكتشف أنه قطار قادم نحوي”، بهذه الكلمات وصفت كار الوضع القضائي الحالي.
هجمات سياسية على القضاء واستهداف شخصي للقضاة
شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا في الهجمات السياسية والإعلامية على القضاء. من أبرز الحالات، انتقاد وزيرة الحكومة كيمي بادينوك لحكم قضائي متعلق بعائلة فلسطينية، ما دفع كار للدفاع العلني عن استقلال القضاء.
“قضاة في دوائر الهجرة شعروا بالرعب، بعضهم غادر منزله، وآخرون أوقفوا إرسال أبنائهم للمدارس”، تؤكد كار.
أزمة البريد البريطاني: عندما تسبق السياسة العدالة
من أكثر المواقف المحبطة لكار كانت فضيحة مكتب البريد، حيث أُدين مئات العاملين ظلمًا بسبب خلل تقني. ورغم قدرة القضاء على التعامل مع الاستئنافات، قررت الحكومة التدخل وإلغاء الأحكام عبر البرلمان.
“كان بمقدورنا معالجة القضايا… لكن لم يُمنح القضاء الفرصة”، تقول كار بأسف.
وسائل التواصل الاجتماعي: منبر للنقد أم أداة للتحريض؟
ترى كار أن تصاعد التهديدات يعود جزئيًا إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، التي أذكت حملات التحريض ضد القضاة.
دراسة كشفت أن 40% من القضاة يشعرون بعدم الأمان في قاعات المحاكم، وأقل من 10% يشعرون بتقدير الدولة.
“المشكلة ليست في النقد… بل في طريقة التعبير عنه وغياب الفهم القانوني”، تقول كار.
معركة الرموز: بين لقب “ليدي” والهيبة القضائية
عند توليها المنصب، اختارت كار لقب “ليدي” بدلًا من “اللورد”، رغم الجدل.
“إذا أردنا للقب ‘ليدي’ أن يحمل نفس الهيبة، يجب أن نمنحه القوة والاحترام”، تقول بثقة.
تفاصيل يومية: قاضية بسيطة خارج قاعة المحكمة
بعيدًا عن قاعات المحاكم، تحرص كار على البساطة. لا تحب الطهي كثيرًا، وتلجأ أحيانًا إلى وجبات جاهزة مثل HelloFresh. تستيقظ في السابعة صباحًا وتقول إن قلة نومها وطاقتها العالية هما سر استمراريتها.
أزمة القضاء الحقيقية: التمويل وتراكم القضايا
تعتبر كار أن أكبر أزمة تواجه القضاء هي نقص التمويل وتراكم القضايا.
محاكم الجنايات في لندن، على سبيل المثال، تحجز جلسات حتى عام 2029، ما يُهدد العدالة بسبب “تآكل الذاكرة” لدى الشهود والمتهمين.
“لن أسمح بأن يُجهض كل ما هو جيد في هذه المؤسسة”، تؤكد كار.
خلاصة المشهد: لا خيار سوى القتال من أجل العدالة
وسط ضغوط سياسية، تحديات بنيوية، وهجمات شعبوية، تواصل السيدة سو كار الدفاع عن القضاء كأحد أعمدة الديمقراطية البريطانية.
> “لا نملك رفاهية الانهيار… علينا أن نقاتل من أجل ما هو أهم”، تختم كار رسالتها، في إشارة إلى أن حماية العدالة هي مسؤولية لا يمكن التنازل عنها.