ترامب مزّق الاتفاق… ثم قصف نتائج تمزيقه: كيف أعادت واشنطن تشكيل الخطر النووي الإيراني؟
النووي الايراني

في واحدة من أكثر العمليات العسكرية تعقيدًا منذ اندلاع النزاع المفتوح بين إسرائيل وإيران، نفذت الولايات المتحدة وإسرائيل هجومًا مزدوجًا دقيقًا استهدف منشآت نووية إيرانية، كان أبرزها مجمع “أصفهان” شديد التحصين. وبالرغم من أن الضربات لم تمس مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، فإنها أصابت جوهر المشروع النووي في مقتل: مرحلة “المعدنة” أو تحويل الغاز المخصب إلى معدن صلب قابل للاستخدام في تصنيع القلب التفجيري للقنبلة الذرية.وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز
لكن هذه العملية، التي وُصفت بأنها “حاجز زمني يمتد لسنوات أمام طموحات طهران النووية”، كشفت عن مفارقة سياسية عميقة: فالمرافق التي دُمرت اليوم لم تكن لتوجد أصلاً لولا انسحاب الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015، والذي كان قد قيد بدقة هذه الأنشطة الحساسة. ومع تصاعد الاتهامات بين إدارة ترامب السابقة وخبراء حظر الانتشار النووي، يطفو سؤال مركزي إلى السطح: هل اضطرت واشنطن إلى تفجير خطر صنعته بنفسها؟
الضربة الموجعة: تعطيل “المعدنة” أخطر مراحل صناعة القنبلة
الهجوم ركّز على ما يسميه الخبراء “نقطة الاختناق” في تصنيع الأسلحة النووية: تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن. هذه العملية، التي تشكل المرحلة الأخيرة من إعداد قلب القنبلة، تعطّلت تمامًا بعد أن دمّرت القنابل المعدات الرئيسية في منشأة أصفهان، مما أخرج البرنامج النووي الإيراني من مساره العاجل لعدة سنوات.

ترامب والاتفاق النووي: كيف ولّدت السياسات القديمة أخطارًا جديدة؟
يؤكد عدد من الخبراء النوويين أن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي تسبب في تفجير سلسلة من الأحداث انتهت بالحاجة إلى الضربة العسكرية الأخيرة. إذ بدأت طهران تطوير مرافق “المعدنة” بعد رفع القيود المفروضة بموجب الاتفاق، ما يعني أن واشنطن “أجبرت على تدمير منشآت لم تكن لتبنى أصلاً لولا انسحابها من الاتفاق”.

رد إدارة ترامب: نحن من أنقذ العالم
على الرغم من الانتقادات، دافعت إدارة ترامب عن العملية، معتبرة أن الرئيس “كان محقًا في كل خطوة”، وأن القصف “أعاد ترتيب قواعد اللعبة النووية في الشرق الأوسط”، على حد تعبير المتحدثة باسم البيت الأبيض، التي اعتبرت أن “البرنامج النووي الإيراني قد تم تدميره، والعالم أصبح أكثر أمنًا”.

إسرائيل: لم يعد هناك وقت للانتظار
من الجانب الإسرائيلي، أوضح مسؤولون أن التقدم الإيراني في مجال تخصيب اليورانيوم والمعدنة فرض اتخاذ قرار الحرب. وقال رافي ميرون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقًا، إن “الوضع كان يوشك على التحول إلى تهديد نووي مباشر”، ولهذا “تقرر شن حرب لتغيير الواقع من جذوره”.
هل تأخر الرد؟ تقييمات أولية متحفظة وآمال طويلة الأمد
رغم التهليل السياسي، يرى محللون نوويون أن تقييم تأثير الضربات يجب أن يتم بحذر. بعضهم أشار إلى أن إيران بنت برامج سرية بديلة، وقد تكون لديها منشآت احتياطية مخفية. لكن الأغلبية تتفق أن دمار مرافق “المعدنة” في أصفهان يشكل تأخيرًا استراتيجيًا كبيرًا لطهران في مسار صنع السلاح.

أثر صور الأقمار الصناعية: الدليل الحاسم
أظهرت صور أقمار صناعية التقطت على مرحلتين (16 و22 يونيو) حجم الدمار الذي أصاب مجمع أصفهان. المباني التي كانت تؤوي مرافق “تحويل اليورانيوم إلى معدن” أصبحت ركامًا، فيما أُزيلت معالم أخرى تمامًا عن الخريطة.
إقرأ أيضاً:
من الكشري إلى الصواريخ: عندما تُربك الصورة خطاب الدولة في مصر
الاتفاق النووي لعام 2015: ماذا كان يمنع؟
الاتفاق الذي وُقّع في عهد أوباما، والمعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، كان يحظر صراحة أي أنشطة تتعلق بتحويل اليورانيوم إلى معدن. ووفقًا لمسؤولي التحقق في وكالة الطاقة الذرية، فإن إيران لم تخرق هذا البند حتى انسحاب ترامب. بذلك، يُنظر إلى الاتفاق على أنه كان يعمل بفاعلية في كبح أخطر مراحل “تسليح” البرنامج النووي الإيراني.
من أصفهان إلى طهران: الطريق المسدود أمام القنبلة
رغم قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، فإن القنبلة تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير. ومع اختفاء منشآت “المعدنة”، بات على إيران أن تعيد بناء هذه الحلقة الحساسة من الصفر، ما قد يستغرق سنوات، ويعتمد على قدرة طهران على تجاوز الحصار، والهجمات السيبرانية، والاستهدافات المستقبلية المحتملة.