عربي وعالمي

النمسا ترحّل لاجئًا سوريًا لأول مرة منذ 15 عامًا: بداية لمرحلة أوروبية جديدة في ملف الهجرة

النمسا ترحّل لاجئًا سوريًا لأول مرة منذ 15 عامًا

في تطور مثير للجدل على مستوى السياسة الأوروبية تجاه اللاجئين، أعلنت السلطات النمساوية عن تنفيذ أول عملية ترحيل مباشرة إلى سوريا منذ ما يقرب من 15 عامًا، مستهدفة رجلًا سوريًا يبلغ من العمر 32 عامًا فقد صفة اللجوء بعد إدانته جنائيًا. تأتي هذه الخطوة في وقت تتصاعد فيه الدعوات في عدة عواصم أوروبية لإعادة تقييم منظومة اللجوء، وتغليب الأمن الداخلي على الاعتبارات الإنسانية، ما يطرح تساؤلات حادة حول مبدأ “عدم الإعادة القسرية” ومدى تغيّر النظرة الرسمية إلى سوريا باعتبارها “بلدًا آمنًا” لبعض الفئات.

سابقة قانونية أم تحول سياسي؟

بحسب وزارة الداخلية النمساوية، فإن هذه أول حالة ترحيل مباشرة إلى سوريا منذ سنوات ما قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011. اللاجئ المرحَّل كان قد حصل على اللجوء في 2014، لكن تم سحب وضعه القانوني في 2019 بسبب إدانته في قضية جنائية لم تُفصح محاميته عن تفاصيلها. وبينما تؤكد الحكومة أن القرار جزء من “سياسة لجوء صارمة وعادلة”، يعتبره مراقبون اختبارًا قانونيًا وسياسيًا لقدرة الدول الأوروبية على إعادة تقييم العلاقة مع سوريا كدولة منشأ للاجئين.

هل سوريا “آمنة” للعودة؟

الترحيل إلى سوريا لا يزال محظورًا في معظم دول الاتحاد الأوروبي، نظرًا لانعدام الضمانات الحقوقية ووجود تقارير واسعة عن التعذيب والاختفاء القسري في سجون النظام. ومع ذلك، فإن التحول في بعض الخطابات السياسية يعكس رغبة ضمنية في كسر هذا التابو، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وصعود حكومة إسلامية جديدة، وفق ما أشار إليه وزير الداخلية الألماني. لكن منظمات حقوقية حذرت مرارًا من أن التوصيف السياسي لا يكفي لإثبات أن الوضع على الأرض بات آمنًا، خصوصًا بالنسبة للمعارضين أو المشتبهين بمواقفهم السابقة.

أوروبا تعيد النظر في منظومة اللجوء

تأتي هذه الحادثة في ظل تحرك أوسع داخل الاتحاد الأوروبي لإصلاح سياسة الهجرة. فقد اقترحت المفوضية الأوروبية تسريع إجراءات ترحيل من لا يملكون الحق في البقاء داخل دول الاتحاد، مع دراسة إنشاء “مراكز إعادة” خارج القارة الأوروبية. هذه المقترحات قوبلت بانتقادات حادة من 52 منظمة حقوقية، بينها “أمنستي” و”المجلس الدنماركي للاجئين”، التي وصفت الخطط بأنها تهديد خطير لمبدأ الإجراءات العادلة وحقوق الإنسان.

الدنمارك تفتح النار على نظام اللجوء

في تصريحات حادة، اعتبرت رئيسة وزراء الدنمارك أن النظام الحالي للجوء في أوروبا “منهار”، مشيرة إلى أن بعض المهاجرين لا يحترمون “القيم الأوروبية”. ودعت إلى طرد المهاجرين الذين يرتكبون جرائم، دون الإشارة إلى جنسيات محددة، في سياق يعكس تنامي التيار السياسي الداعي للتشدد تجاه المهاجرين، خاصة أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدًا اجتماعيًا أو ثقافيًا.

ألمانيا تلتحق بركب “الترحيل المشروط

في خطوة مماثلة، تسعى الحكومة الألمانية للتوصل إلى اتفاق مع السلطات السورية الجديدة يسمح بإعادة المرحّلين من مرتكبي الجرائم. وكانت ألمانيا قد استأنفت بالفعل ترحيل المدانين من الأفغان بعد توقف دام ثلاث سنوات بسبب سيطرة طالبان. ومع اقتراب الانتخابات الأوروبية وارتفاع أصوات اليمين، يبدو أن برلين أيضًا بصدد إعادة النظر في سياساتها “الإنسانية” السابقة.

ترحيل فردي… أم بداية لسلسلة قرارات؟

رغم أن الحكومة النمساوية وصفت الترحيل بأنه “حالة فردية”، إلا أن التوقيت والسياق السياسي يشيران إلى ما هو أوسع. النمسا تضم حوالي 100 ألف لاجئ سوري، وسبق أن دعت عقب سقوط الأسد إلى بدء عمليات “عودة منظمة”. وإذا تم تمرير سياسات جديدة تسمح بتوسيع نطاق الترحيل، فقد تكون هذه الحادثة بداية لنهج جديد في التعامل مع اللاجئين السوريين الذين فقدوا وضعهم القانوني.

صدمة في أوساط المدافعين عن حقوق اللاجئين

المنظمات الحقوقية عبّرت عن قلق بالغ من أن فتح باب الترحيل إلى سوريا قد يشجع دولًا أخرى على السير في نفس الاتجاه. فإلى جانب الغموض القانوني حول مدى “أمان” سوريا، فإن كثيرًا من اللاجئين العائدين معرضون لخطر الاعتقال أو الانتقام، خاصة إذا كانوا معارضين سابقين أو مجرد وافدين من مناطق كانت خارجة عن سيطرة النظام. في هذا السياق، يتجدد الجدل الأوروبي حول التوازن بين السيادة الوطنية، والأمن، والالتزامات الأخلاقية والإنسانية.

اقرأ ايضا

تقارير التسلح

شركة “نيروس” الأمريكية تقود ثورة المسيّرات العسكرية منخفضة التكلفة للبنتاغون

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى