الجارديان البريطانية: جمال عبد الناصر ورموز الثقافة السوداء الذين ألهموا العالم في شهر التاريخ الأسود

في شهر التاريخ الأسود “Black History Month”، احتفت صحيفة «الجارديان» البريطانية بعدد من الشخصيات التي تركت بصماتها في الوعي الإنساني، من القادة والمفكرين إلى الفنانين والموسيقيين الذين شكّلوا ملامح المقاومة الثقافية ضد الظلم والتهميش. تنوعت الأسماء بين الزعيم المصري جمال عبد الناصر، والكاتب الأمريكي بيرسيفال إيفرت، والمغني الراحل توباك شاكور، وغيرهم ممن جسّدوا قيم التحرر والكرامة. ورغم اختلاف جنسياتهم ومجالاتهم، إلا أن الرابط بينهم هو الإيمان بأن الإبداع والفكر وسيلتان للتحرر الإنساني. جاءت شهادات المشاركين لتؤكد أن التاريخ الأسود ليس حكاية من الماضي، بل قوة حيّة تُلهِم الحاضر وتصنع المستقبل، وتذكّر بأن النضال من أجل العدالة لا يرتبط بلون البشرة، بل بوعي الإنسان وسعيه الدائم نحو الحرية.
الأدب الذي حرّر وعي لينّي هنري
يرى الممثل والكاتب البريطاني لينّي هنري أن الأدب كان بوابته لاكتشاف جوهر الحرية. فقد شكّلت روايات الكاتب الأمريكي بيرسيفال إيفرت تحولًا في فهمه للعالم، خاصة رواية James التي أعادت رواية هكلبري فين من منظور العبد “جيم”، لتكشف عن عمق التجربة السوداء من الداخل. يصف هنري العمل بأنه أكثر من قصة، فهو إعادة كتابة للحرية بمعناها الإنساني الأصيل. بالنسبة له، لا يغيّر الأدب الواقع فحسب، بل يغيّر الوعي، لأنه يجعل القارئ يرى نفسه في الآخر، ويمنحه شجاعة مواجهة القيود التي تُكبّل الفكر والروح.
ناصر الذي أيقظ الوعي الإفريقي في زينب بدوي
تقول الإعلامية السودانية ورئيسة جامعة «سواس» زينب بدوي إن فكر جمال عبد الناصر كان علامة فارقة في وعيها السياسي والثقافي منذ سنوات الطفولة. ترى بدوي أن ناصر لم يكن زعيمًا عربيًا فقط، بل رمزًا إفريقيًا حمل مشروع الوحدة القارية في قلبه. وتشير إلى رمزية زواج الزعيم الغاني نكروما من سيدة مصرية كرسالة سياسية وشعبية تؤكد أن شمال القارة وجنوبها جسد واحد لا ينفصل. بدوي تؤمن أن ناصر ونكروما جسّدا الحلم الإفريقي في التحرر وبناء هوية جامعة، وتضيف أن أفكارهما ما زالت تضيء طريق أجيال تبحث عن وحدة قائمة على الكرامة والاستقلال.
موسيقى الحرية التي علّمت يولاندا براون التفرّد
تستعيد عازفة الساكسفون البريطانية يولاندا براون تأثير العازفة الترينيدادية وينيفريد أتوِيل، التي كسرت القيود الموسيقية والاجتماعية في خمسينيات القرن الماضي لتصنع فنًا متحررًا من القوالب. تقول براون إن أتوِيل كانت بالنسبة لها “درسًا في الحرية”، إذ مزجت بين الكلاسيكية والجاز في تناغم ساحر، لتصبح رمزًا للفنانة التي ترفض الانصياع للتوقعات. ومن خلالها، أدركت براون أن الموسيقى ليست نغمًا فقط، بل بيانٌ للحرية الشخصية، ومساحة للتعبير عن الذات دون خوف. تلك الروح المتمردة، كما تقول، كانت السبب في اختيارها للفن طريقًا للحياة.
ماركوس غارفي.. الفخر والمسؤولية في عيون نادين وايت
ترى الصحفية البريطانية نادين وايت أن الزعيم الجامايكي ماركوس غارفي لم يكن مجرد رمز للتحرر، بل معلمًا للفخر والالتزام بالهوية. تقول وايت إنها نشأت وصورته معلقة في بيت العائلة، وكان وجوده الدائم يذكّرها بأن الانتماء مسؤولية لا شعار. في مسيرتها الصحفية، حملت أفكاره عن تمثيل الصوت الأسود الحقيقي، مؤكدة أن عملها في نقل قصص المجتمعات المهمشة امتدادٌ لنضاله الفكري. بالنسبة لها، كانت رسالته درسًا في الكرامة والعمل الجماعي، وفي أن الكتابة يمكن أن تكون سلاحًا لمواجهة النسيان وإعادة الاعتبار لتجارب شعوبٍ صُنعت على الهامش.
أغنية صنعت وعي جيل.. مارفن غاي في ذاكرة غس كازلي-هايفورد
يعتبر المؤرخ الثقافي غس كازلي-هايفورد أن أغنية What’s Going On للمغني الأمريكي مارفن غاي كانت لحظة وعيٍ جماعي لجيلٍ كامل عاش الاضطرابات السياسية والاجتماعية في السبعينيات. بالنسبة له، كانت تلك الأغنية صرخة من القلب تدعو للرحمة والعقل، وتحولت إلى مرآة لزمنٍ يبحث عن العدالة. يقول كازلي-هايفورد إن الموسيقى منحت الشباب وسيلة للتفكير في السياسة والمجتمع بطريقة وجدانية، وإنها كانت درسه الأول في أن الفن قادر على تحويل الألم إلى وعي، وأن الصوت يمكن أن يكون ثورة ناعمة تغيّر العالم.

توباك شاكور.. شاعر الثورة الذي علّم سيمون أريفووا المواجهة
تصف سيمون أريفووا، نائبة رئيس رابطة الشرطة السوداء في بريطانيا، المغني توباك شاكور بأنه “أعظم شاعر اجتماعي في القرن العشرين”، وتقول إن كلماته جعلتها تواجه الظلم من موقعها داخل المؤسسة الأمنية. وجدت في أغانيه دعوة إلى المساواة والعدالة وكرامة المرأة السوداء، فرأت أن الفن يمكن أن يكون نضالًا يوميًا ضد التمييز. أريفووا تؤكد أن كلمات توباك لم تكن موسيقى احتجاجية فحسب، بل رسالة شجاعة إلى كل من يرفض الصمت. من خلاله، تعلمت أن المواجهة تبدأ بالكلمة، وأن صوت الفن قادر على تغيير العقول قبل السياسات.
الإرادة التي صنعت طريق مايكل أكاديري
يقول الطبيب والكوميدي مايكل أكاديري إن المتحدث الأمريكي إريك توماس غيّر نظرته إلى النجاح بعبارته الشهيرة: «عندما ترغب في النجاح كما ترغب في التنفس، ستحققه.» بالنسبة لأكاديري، هذه الجملة كانت تذكيرًا بأن الموهبة وحدها لا تكفي دون انضباط وإصرار. استطاع أن يوازن بين الطب والكوميديا دون أن يتخلى عن شغفه بأي منهما، مؤمنًا بأن الإرادة هي سر التميز الحقيقي. يرى أكاديري أن قصة توماس ليست فقط عن الطموح، بل عن تحويل الألم إلى قوة، والظروف الصعبة إلى حافز للاستمرار حتى بلوغ الهدف.
ميا موتلي.. القيادة الهادئة التي ألهمت شانا مالوني
تعتبر القسيسة شانا مالوني من بربادوس أن رئيسة الوزراء ميا موتلي تجسّد نموذج القيادة النسائية الواعية التي تمزج بين الفكر والحكمة. تصفها بأنها “صوت القوة الهادئة”، القادرة على إدارة الأزمات بثقة دون أن تفقد إنسانيتها. ترى مالوني أن موتلي أثبتت أن القيادة لا تُقاس بالصوت المرتفع بل بالفعل الصادق، وأن المرأة في موقع القرار يمكنها أن تصنع تحولًا حقيقيًا إذا جمعت بين الرؤية والإخلاص. بالنسبة لها، تمثل موتلي الإلهام الذي يذكّر الجميع بأن السلطة الحقيقية هي خدمة الناس لا التحكم فيهم.

موسيقى الحب التي كوّنت وجدان جيسون أوكنداي
يتحدث الكاتب البريطاني جيسون أوكنداي عن فرقة The Supremes بوصفها أول من منحه لغة لفهم الحب والفقد. من خلال أغانيهم، اكتشف الصدق العاطفي وتعلم كيف يترجم المشاعر إلى كلمات. يقول أوكنداي إن موسيقى السبعينيات لم تكن مجرد ترفيه، بل مدرسة في التعبير الإنساني، وإن تأثيرها ظل حاضرًا في كتاباته حتى اليوم. بالنسبة له، كان الفن مرآة للنفس، والصوت الأنثوي في أغاني الفرقة هو الذي علّمه أن الضعف جزء من القوة، وأن الجمال الحقيقي يولد من الصدق لا من الكمال.
من «بلاك بانثر» إلى الوعي الفني الجديد
ترى الكوميدية أثينا كوغبلينو أن موسيقى فيلم Black Panther فتحت بابًا واسعًا أمام الفنانين السود لإعادة تعريف الفن بوصفه وعيًا اجتماعيًا بقدر ما هو جمال بصري. تعتبر كوغبلينو أن العمل الفني لا يكتمل إلا حين يحمل أثرًا فكريًا يعيد النظر في واقع الناس ويثير الأسئلة الكبرى حول الهوية والعدالة. تؤمن بأن الجمال بلا رسالة فقدان للمعنى، وأن الفن حين يلتقي بالفكر يتحول إلى أداة لتغيير المجتمع وبناء الوعي الجمعي بطريقة أعمق من أي خطاب سياسي.

أغنية قادت إلى الطب.. كيف ألهم الريغي بوليت هاميلتون
تقول البرلمانية البريطانية بوليت هاميلتون إن أغنية Night Nurse للمغني غريغوري آيزاكس كانت مصدر إلهام لمسيرتها المهنية كممرضة. وجدت في كلمات الأغنية معنى الرعاية والحنو الإنساني، فاختارت طريق الخدمة العامة بدافع من الفن. ترى هاميلتون أن الموسيقى قادرة على تحريك الضمير ودفع الإنسان إلى التعاطف، معتبرة أن أغنية واحدة قد تغيّر حياة بأكملها. وبالنسبة لها، فإن الربط بين الفن والعمل الإنساني ليس مصادفة، بل تجسيد لعلاقة الجمال بالرحمة.
الأدب الذي منح سايمون براون صوته الحقيقي
يشير الصحفي سايمون براون إلى أن رواية The Lonely Londoners للكاتب سام سيلفون كانت لحظة اكتشافه لصوته الحقيقي كمراسل تلفزيوني. فقد قدّمت الرواية اللهجة الكاريبية بكرامة واحترام، وأثبتت أن التنوع اللغوي ليس ضعفًا بل ثراء. يقول براون إن الأدب الذي يمنح الناس حق التعبير بلغتهم الخاصة هو الأدب الذي يغيّر العالم، لأنه يحرر الإنسان من الخوف من الاختلاف. من خلال تلك التجربة، تعلّم أن صوته الشخصي هو هويته، وأن الجرأة في التعبير هي أول أشكال الحرية.

إرث يتجاوز الزمن
من جمال عبد الناصر إلى توباك شاكور، ومن وينيفريد أتوِيل إلى ميا موتلي، تؤكد هذه الشهادات أن الإلهام لا يعرف حدودًا جغرافية أو لونية. فالتاريخ الأسود ليس مجرد إحياء لذكرى النضال ضد العنصرية، بل مساحة للتأمل في قيم الحرية والكرامة الإنسانية التي توحّد البشر رغم اختلافهم. هؤلاء الذين ألهموا الأجيال – في السياسة والفن والأدب والموسيقى – يذكّرون العالم بأن القوة الحقيقية تكمن في الوعي، وأن الهوية ليست لون بشرة، بل رؤية للعالم وشغف بالإنسان.



