الاقتصاد

أوروبا منقسمة والوقت ينفد: معركة الاتحاد الأوروبي لدرء عاصفة ترامب التجارية

مع اقتراب مهلة 9 يوليو التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعيش قادة الاتحاد الأوروبي أسبوعًا مصيريًا في محاولتهم تفادي حرب تجارية شاملة تهدد بفرض رسوم تصل إلى 50% على وارداتهم إلى الولايات المتحدة. الانقسام الأوروبي حول التكتيك المناسب بات أكثر وضوحًا، فبينما يطالب البعض باتفاق سريع على غرار الصفقة البريطانية، يصر آخرون على عدم التنازل في مواجهة رئيس أمريكي لا يخفي عداءه لأوروبا.

 

لعبة التهديدات: ترامب يلوح برسوم تصل إلى 70%

 

في خطاباته وتصريحاته الأخيرة، لم يكتف ترامب بالتهديد برسوم 50%، بل ألمح إلى إمكانية رفعها إلى 70% على الدول التي لا تتجاوب مع شروطه. وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أكد أن المفاوضات الجارية تشمل 15 إلى 18 شريكًا تجاريًا مهمًا، لكن حتى الآن، لم تُبرم سوى صفقتين فعليًا – مع المملكة المتحدة وفيتنام.

القلق يخيّم على الاقتصاد العالمي: الشركات تؤجل استثماراتها، والدولار يسجل أسوأ أداء له منذ نصف قرن في النصف الأول من 2025، مما يعكس حجم الاضطراب الذي تسببه سياسة ترامب التجارية.

مفترق طرق أوروبي: اتفاق بأي ثمن أم المواجهة؟

 

في بروكسل، يدور نقاش داخلي محموم بين الدول الأعضاء. دبلوماسي أوروبي عبّر عن المعضلة قائلًا: “هل نعقد اتفاقًا بأي ثمن لتفادي الحرب التجارية؟ أم نظهر قوة إذا لم يكن العرض الأمريكي كافيًا؟”.

المستشار الألماني يدفع نحو اتفاق سريع، على غرار النموذج البريطاني، لتفادي التصعيد، بينما يفضل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التمهّل للحصول على صفقة متوازنة، محذرًا من التسرع في قبول اتفاق غير منصف.

أقسى من الصين”: العدائية الأمريكية في أوضح صورها

خلال جولات التفاوض الأخيرة، وبحسب مصادر دبلوماسية، تعرض مفوض التجارة الأوروبي ماروش شيفشوفيتش لتهديد مباشر بفرض رسوم 17% على المنتجات الغذائية الأوروبية. ويعكس ذلك التوجه الصدامي لإدارة ترامب، التي سبق له أن وصف الاتحاد الأوروبي بأنه “أقسى من الصين”.

وكان ترامب قد أعلن في الثاني من أبريل عن “تعرفة يوم التحرير” العقابية، التي شملت أغلب الدول، قبل أن يعلق تنفيذها مؤقتًا لمدة 90 يومًا – تنتهي هذا الأسبوع.

 

خيار الإطار السياسي: أفضل الممكن في زمن ترامب

 

مع انتهاء المهلة وغياب حلول شاملة، بات واضحًا أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التوصل لاتفاق مبدئي أو “اتفاق إطار”، بدلًا من صفقة شاملة. هذا النموذج سيشبه إلى حد كبير الاتفاق الذي أبرمته بريطانيا مع واشنطن في مايو، والذي دخل حيز التنفيذ مؤخرًا.

رغم أن دبلوماسيين أوروبيين سخروا سابقًا من الاتفاق البريطاني واعتبروه هزيلًا وغير متماسك قانونيًا وفق قواعد منظمة التجارة العالمية، إلا أنهم أدركوا لاحقًا أن تحقيق صفقة أكبر وأفضل أصبح شبه مستحيل، حتى مع حجم التجارة العابرة للأطلسي التي تبلغ 1.6 تريليون يورو.

آثار ترامب باقية: رسوم تبدأ من 10% على الأقل

 

سواء أُبرم اتفاق أم لا، فإن الصناعات الأوروبية تستعد للأسوأ. السيناريو المرجّح أن تواجه صادراتها إلى أمريكا رسومًا تبدأ من 10%، أي خمسة أضعاف متوسط الرسوم قبل انتخاب ترامب في 2024. وتشمل القائمة قطاعات رئيسية كصناعة السيارات، والصلب، والألومنيوم.

وبعد أشهر من تهديدات متبادلة بفرض رسوم انتقامية – من البوربون إلى طائرات بوينغ – أقرّت بروكسل الأسبوع الماضي بأن صفقة تجارية شاملة باتت بعيدة المنال.

 

أزمة ثقة متصاعدة: هل تُكرر أوروبا أخطاء الماضي؟

 

منذ انسحاب ترامب سابقًا من اتفاقيات كبرى مثل اتفاقية باريس للمناخ واتفاق الشراكة عبر الأطلسي، تدرك العواصم الأوروبية هشاشة أي تفاهمات تجارية معه. الآن، ومع تكرار أساليبه الهجومية، تتزايد الأصوات التي ترى أن تقديم تنازلات في ظل هذا السياق هو مقامرة قد تُضعف الموقف الأوروبي على المدى الطويل.

نهاية لعبة الأعصاب: ماذا بعد 9 يوليو؟

مع اقتراب الموعد النهائي، تتضاءل الخيارات. فإما أن تنجح بروكسل في تمرير اتفاق سياسي يبقي باب التفاوض مفتوحًا، أو تدخل القارة في مواجهة تجارية مباشرة مع إدارة ترامب، بكل ما يحمله ذلك من تبعات اقتصادية وجيوسياسية.

أوروبا تجد نفسها أمام مفترق طرق جديد: إما أن تتعامل بواقعية مع رئيس أمريكي غير تقليدي، أو تخاطر بخسارة جزء كبير من تجارتها الخارجية، وتعرض صناعاتها لزلزال جديد في وقت لم تتعافَ فيه بعد من أزمات الطاقة والتضخم.

اقرأ المزيد:

سعر الذهب اليوم الأحد خلال منتصف التعاملات اليومية

نوران الرجال

نوران الرجال باحثة اقتصادية وكاتبة صحفية متخصصة في شؤون النقل البحري والاقتصاد البحري، وتشغل عضوية لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل. كما تتولى منصب المدير العام لمركز العربي للأبحاث البحرية والاستراتيجية، حيث تسهم في صياغة الرؤى وتقديم الدراسات الداعمة لتطوير قطاع النقل البحري في المنطقة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى