الوكالات

بالدموع والقلق والفرح: أوكرانيون يستقبلون أحبّاءهم العائدين من سجون روسيا

بين الترقب والمشاعر المتضاربة.. لحظات ما قبل لم الشمل

في المشهد المؤثر الذي شهدته العاصمة الأوكرانية كييف، تجمّع حوالي 150 شخصًا في موقف للسيارات، يحملون معهم صور أحبائهم العائدين من الأسر الروسي. بينهم، كانت مشاعر القلق، الدموع، والفرح تسيطر على الأجواء، مع انتظار لحظة لم شملهم بعد غياب طويل.

عودةٌ طال انتظارها

تم الإعلان عن تبادل جديد للأسرى، وهو 64 منذ الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022. يتضمن هذا التبادل عودة 205 أسرى أوكرانيين، مقابل عدد مماثل من الروس. وسط خلط المشاعر بين الفرح والقلق، عاش الجميع لحظات مليئة بالأمل والترقب.

كعكة ميلاد مؤجلة

حضر الأختان، أناستاسيا دوبرييفا وإنها بالامارتشوك، كعكة ميلاد صغيرة مزينة بشمعتين—واحدة على شكل قلب وعدد 25.

كان شقيقهما، يوريي، من المفترض أن يحتفل بعيد ميلاده في أبريل، لكنه كان في سجون روسيا. .

تقول أناستاسيا، 31 عامًا: “نحن في غاية التوتر، لا نعلم هل سيكون على متن الحافلات أم لا، كل ما نريده هو رؤيته.” ومع كل دقيقة تمر، كانت أعين الحاضرين تترقب، في صمتٍ ممزوج بخوف وأمل.

 

أمهاتٌ بلا جواب

وسط الحشود، وقفت يوليا كوخوت، 55 عامًا، تحمل صورة ابنها المفقود، تُكرّر في صمت عبارة واحدة: “انتظرته طويلًا، طويلًا

جدًا.” مثلها، عشرات غيرها جاءوا بلا تأكيدات، فقط بخيط أمل أن يروا صورة أحبائهم تتعرّف على أحد العائدين، أو ربما يسمعون خبرًا يؤكد بقاءهم أحياء.

لكن الانتظار أحيانًا مرير. حين صدر القائمة النهائية للأسرى المفرج عنهم، لم يظهر اسم ابن السيدة كوخوت. ما إن علمت، حتى بدأت في البكاء بحرقة، وعانقتها صديقتها أنجيليكا ياتسينا، التي تبحث بدورها عن شقيقها الأكبر أوليه، المفقود منذ أكثر من عامين.

أسرى الحرب: جوع وعزلة وأناشيد روسية قسرية

وفقًا لشهادات العديد من الأسرى العائدين، فإن تجربة الأسر في السجون الروسية كانت مريرة: تعذيب، تجويع، وفرض غناء النشيد الوطني الروسي بشكل يومي. أخبرهم الحراس مرارًا أن أوكرانيا لم تعد موجودة، وأنّ دولتهم تخلّت عنهم. ورغم أن الحكومة الأوكرانية لم تُعلن رسميًا عن أعداد الأسرى المتبقين في قبضة روسيا، يُعتقد أن الآلاف لا يزالون قيد الاحتجاز.

بعض الأسرى لم يكونوا قادرين حتى على المشي. وصلت سيارتا إسعاف تقلّان جنودًا منهكين على نقالات، استقبلهم الحضور بهتافات: “المجد لأوكرانيا!” و”المجد للأبطال!”، بينما اكتفت الأجساد المُنهكة برفع الأيدي بتحية شاحبة.

المعجزة الصغيرة: شقيقها لا يزال حيًا

من بين الأسرى العائدين كان سيرهي لابتيف، 23 عامًا، الذي أمضى ثلاث سنوات في الأسر. أخبرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر بوفاة والدته، لكنه ظل متماسكًا لأجل طفلته التي ولدت قبل أسره بقليل. وبينما كان يسير وسط الحشد، اقترب منه العشرات بصور أبناء وأشقاء مفقودين، يسألونه إن كان قد رأى أحدهم.

حين عرضت عليه السيدة ياتسينا صورة شقيقها، حصلت على إجابة مختلفة: “لقد كنتُ معه، سنتين في نفس الزنزانة.” هنا انفجرت دموعها، أمسكت بيده بشدة وقالت: “شعرت أنه يحمل جزءًا من شقيقي، وكأنني احتضنت أوليه من خلاله.”

اللقاء المنتظر: “أنا في البيت يا بنات”

وقبل الخامسة مساءً، دخلت الحافلات الأربع المرافقة بدورية الشرطة إلى الموقف. ووسط الهتافات والعناق، خرج يوريي دوبرييف من الحافلة، منهكًا، برأسٍ محلوق وعينين غائرتين، لكنه حي. ارتمى بين ذراعي شقيقتيه، وقال مبتسمًا: “أنا في البيت، يا بنات.” لم يكن قادرًا على أكل الكعكة أو الشوكولاتة، فالأطباء طلبوا تأجيل ذلك. لكنه نفخ الشموع، وابتسم.

قالت أخته إنها لا تستطيع وصف مشاعرها. أمّا هو، فأخرج علبة السجائر التي أحضرتها له، أشعل واحدة، وضحك. بعد ذلك، أجرى أول مكالمة هاتفية: “أيوه، أمي… أنا في البيت.”

فرح مؤجل وآمال مستمرة

ورغم المشاهد المؤثرة، كانت هناك وجوه غابت عن تلك الحافلات. البعض لا يزال أسيرًا، وآخرون مجهولو المصير. لكن الحاضرين، الذين مزجوا بين البكاء والضحك، يعرفون أن الانتظار لم يكن عبثًا. فكل من عاد حمل معه ليس فقط قصته، بل خيط أمل للآخرين، بأنّ اللقاء قد يأتي يومًا… ولو بعد سنوات.

إيمان زريقات

إيمان زريقات صحفية سورية متخصصة في القسم الخارجي وتغطية وكالات الأنباء العالمية، ولها خبرة واسعة في متابعة الأخبار الدولية وتقديم تقارير دقيقة وشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى