فن وثقافة

الخطاب حول غزة يتعرض للتشويه… لكن رواية “التحريف الإعلامي” لم تعد تُقنع أحداً

التحريف الإعلامي حول غزة: حملة ممنهجة لصرف الانتباه عن المجازر

من غلاستنبري إلى غزة: حملة ممنهجة لصرف الانتباه عن المجازر الحقيقية واستهداف الأصوات المناصرة لفلسطين في مهرجان غلاستنبري البريطاني، وبينما كانت فِرقة البانك “بوب فايلان” تعزف أمام جمهورها، تحوّل الغضب الشعبي من العدوان الإسرائيلي على غزة إلى عنوان رئيسي في الصحف البريطانية – ليس بسبب المجازر، بل بسبب هتافٍ ضد الجيش الإسرائيلي. هكذا تم “شيطنة” الفنانين، وتجاهُل السياق، وتحويل الغضب من الإبادة إلى مسألة تتعلق بـ”خطاب كراهية” مزعوم.

تحريف الخطاب

من “الموت للجيش الإسرائيلي” إلى “الموت للإسرائيليين”: تزييف متعمد ما قاله المغني باسكال روبنسون فوستر، المعروف باسم بوبي فايلان، كان: “الموت للجيش الإسرائيلي” – في إشارة واضحة إلى القوة العسكرية التي تشن حرباً على قطاع غزة. لكن صحيفة Mail on Sunday اختارت العنوان التحريضي: “الآن اعتقلوا فرقة البانك التي هتفت: الموت للإسرائيليين”، في تحريف لغوي خطير، أدّى إلى موجة تحريض إعلامي وسياسي ضد الفرقة وضد هيئة الإذاعة البريطانية التي بثت الحدث.

حملة سياسية

حملة سياسية ضد حرية التعبير خلال ساعات، انضمت شخصيات سياسية بارزة إلى الجوقة التحريضية. وصف زعيم حزب العمال كير ستارمر الهتاف بـ”خطاب الكراهية”، ودعت أصوات يمينية إلى محاكمة هيئة الإذاعة البريطانية نفسها. أما وزيرة الداخلية يفِت كوبر، فأعلنت تصنيف “Palestine Action” كجماعة إرهابية، رغم عدم وجود أدلة على تورطها في أي عنف مادي، فقط لأن أنشطتها تتحدى المؤسسات المتعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي.

تجاهل السياق

الترويج للمظلومية اليهودية كأداة لصرف الانتباه في تغطيات الصحف اليمينية، تم تجاهل السياق السياسي والعسكري للهتاف، وتم دمج الجيش الإسرائيلي بالهوية اليهودية بشكل ضمني. كتب أحد المعلقين: “لأن الجيش الإسرائيلي هو جيش الدولة اليهودية الوحيدة، فالهتاف يعني بالضرورة الموت لليهود”. هذا التلاعب الخطابي يتجاهل أن انتقاد السياسات العسكرية لدولة معينة لا يعني عداءً دينيًا، بل يعكس معارضة لسلوك قمعي محدد.

تجاهل المجازر

84 ألف قتيل في غزة… خارج التغطية! في المقابل، كان من الممكن أن تُغطي الصحف البريطانية مجازر حقيقية: فوفق أرقام وزارة الصحة في غزة، تجاوز عدد القتلى 57 ألفًا، بينما تشير تقديرات مستقلة إلى ما يقارب 84 ألف ضحية. وقُتل 59 مدنياً في يوم واحد بينما كانوا ينتظرون الحصول على أكياس دقيق جنوب خانيونس. لكن تلك الحادثة لم تحظَ بأي مساحة في الصفحات الأولى للصحف البريطانية الكبرى. يبدو أن “بوب فايلان” كان تهديداً إعلامياً أكبر من المجازر الجماعية.

ازدواجية المعايير

ازدواجية المعايير الأخلاقية والإعلامية بينما تُستهدف الفرق الموسيقية والناشطون بالتحقيقات والمحاكمات، تتجاهل التغطية الإعلامية تسريبات خطيرة من داخل الجيش الإسرائيلي. صحيفة هآرتس كشفت أن الجنود تلقوا أوامر بإطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين أثناء انتظارهم المعونات. ومع ذلك، لا تُناقَش هذه المعلومات على الشاشات البريطانية. لا يُعتبَر هذا “خطاب كراهية”، ولا تُفتح فيه ملفات جنائية.

شيطنة المعارضة: تكتيك لم يعد مجدياً

الهدف من “فيلنة” الخطاب حول غزة واضح: تحويل الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية إلى تهديدات “أمنية”، وإسكاتها تحت شعار محاربة اللاسامية. لكن هذه الاستراتيجية لم تعد تنطلي على الجميع. فالنقاش العام يتغيّر – في بريطانيا وأمريكا على حدّ سواء. حزب العمال خسر خمسة مقاعد لصالح مرشحين مناصرين لغزة في الانتخابات الأخيرة، وخسر ثلث أصواته في مناطق ذات أغلبية مسلمة.

الرأي العام: الواقع لا يُخدع

استطلاعات الرأي الحديثة تشير إلى تغيّر جذري في المزاج العام:

55% من البريطانيين يعارضون الحملة العسكرية على غزة.

45% يرون أن أفعال إسرائيل تصل إلى حد الإبادة الجماعية.

في الولايات المتحدة، تقلّص التأييد لإسرائيل، و60% من الديمقراطيين الآن أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين.

بين من هم دون الأربعين، ترتفع النسب أكثر.

ما يُقال… وما يُرى

يُقال لهم إن تظاهرات غزة “مسيرات كراهية”، لكنهم يشاهدون العائلات الثكلى.

يُقال لهم إن المتظاهرين في الجامعات الأمريكية معادون للسامية، لكنهم يرون احتجاجاً سلمياً.

يُقال لهم إن “Palestine Action” جماعة إرهابية، لكنهم يعلمون أنها فقط ترش الطلاء الأحمر على مصانع الطائرات.

ما بعد الخطاب الرسمي

رغم سيطرة الرواية الرسمية على الإعلام التقليدي، إلا أن جيلًا جديدًا من المتابعين بات يعتمد على مصادر بديلة، ويرى الواقع كما هو. هؤلاء لا يعتقدون أن الهتاف ضد الجيش الإسرائيلي هو عداء ديني، ولا أن الفن هو إرهاب، ولا أن دعم فلسطين يستوجب التجريم.

الناس يرون الحقيقة، حتى لو كانت بعيدة عن الصفحات الأولى… وهم لم يعودوا وحدهم.

اقرا ايضا 

بالطابع الشعبي.. ياسمين عبد العزيز تعود إلى دراما رمضان 2026 – إليكم التفاصيل

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى