أوروبا تستعد للأزمات: استراتيجية جديدة لبناء مخزونات طوارئ حيوية
تعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات الجيوسياسية والمناخية والصحية

في تحول استراتيجي يعكس قلقًا متزايدًا من تعدد المخاطر الجيوسياسية والمناخية والصحية، دعت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء إلى بناء مخزونات استراتيجية من الأدوية والمولدات والمواد الخام، استعدادًا لأي سيناريو محتمل، من غزو عسكري إلى جائحة جديدة أو كارثة طبيعية واسعة النطاق.
وتأتي هذه الدعوة في إطار إعلان المفوضية عن أول استراتيجية أوروبية على الإطلاق لتخزين المواد الحيوية، والتي تتضمن قائمة موسعة من الإمدادات تشمل أدوات تنقية المياه، ومعدات إصلاح الكابلات البحرية، والطائرات المسيّرة، والجسور المتنقلة لاستخدامها في حالات النزاع أو الطوارئ الكبرى.
الدروس القاسية من كوفيد: لا نريد تكرار الفوضى
أبرزت المفوضية أن الاستراتيجية الجديدة مستوحاة من الإخفاقات التي شهدتها القارة خلال جائحة كوفيد-19، حين دخلت الدول الأوروبية في سباق محموم لتأمين الكمامات والمستلزمات الطبية، مما أدى إلى نقص حاد في المعدات لدى الدول الأكثر احتياجًا.
وأشارت إلى أن بعض الدول الأعضاء مثل فنلندا وإستونيا والتشيك تُعد نماذج رائدة في بناء مخزونات وطنية للطوارئ، وهو ما تسعى الاستراتيجية لتعميمه على باقي دول الاتحاد.
المخاطر متعددة… والجاهزية شاملة
وفقًا للاستراتيجية، ستُحدث المفوضية قوائم “غير نهائية” من المواد الأساسية، مصممة بحسب كل نوع من الأزمات. وبحلول عام 2026، سيتم إنشاء مركز أوروبي للمواد الخام الحيوية يتولى عمليات الشراء المشتركة وتنسيق التخزين بين الشركات المهتمة، خاصة فيما يتعلق بالأدوية والتقنيات الطبية ذات الأولوية.
وفي نفس الإطار، تعمل المفوضية على مضاعفة ميزانية قرض موجه للشركات الناشئة لتطوير أدوية وابتكارات طبية جديدة، لتصل إلى 200 مليون يورو بحلول عام 2027.
أنظمة إنذار مبكر عبر مياه الصرف الصحي
إحدى المبادرات اللافتة التي يتضمنها البرنامج الأوروبي الجديد تتمثل في تطوير نظام لمراقبة مياه الصرف الصحي، يعمل بمثابة “رادار صحي مبكر”، لرصد الأمراض المعدية قبل ظهور الأعراض السريرية لدى السكان.
وكانت عينات مياه الصرف قد أثبتت خلال جائحة كورونا فعاليتها في إعطاء مؤشرات مبكرة عن مدى انتشار الفيروس، ما دفع الاتحاد لتبني الفكرة كجزء من استراتيجيته الصحية المستقبلية.
أسطول للطوارئ… لكن الحاجة إلى التوسع قائمة
يمتلك الاتحاد الأوروبي بالفعل أسطولًا من الطائرات والمروحيات لمكافحة الحرائق، إضافة إلى طائرات إخلاء طبي ومستشفيات ميدانية. ومع تصاعد موسم حرائق الغابات – كما هو الحال في ضواحي مدينة مارسيليا الفرنسية هذا الأسبوع – تدفع المفوضية نحو توسيع القدرات الجوية بإضافة طائرات خفيفة ومروحيات جديدة.
وأكدت مفوضة إدارة الأزمات في الاتحاد، هادجا لاهبيب، أن الاتحاد “يعيد تموضع استعداده للطوارئ ليكون في قلب الدفاع الأوروبي”، مضيفة:
“الهجمات الهجينة، وانقطاعات الكهرباء، والتغيرات المناخية، والأمراض المعدية، لم تعد تهديدات بعيدة بل واقع يومي.”
رؤية أمنية أوروبية موحدة بحلول 2030؟
الاستراتيجية الجديدة تأتي في وقت تتصاعد فيه دعوات أوروبية لبناء قدرة ذاتية على الردع والدفاع. فقد جددت رئيسة وزراء الدنمارك، ميته فريدريكسن، دعوتها إلى استعداد الاتحاد الأوروبي للدفاع عن نفسه عسكريًا بحلول عام 2030، مشيرة إلى أن إعادة تسليح الجيش الروسي قد تجعل من موسكو تهديدًا فعليًا لأوروبا وحلف الناتو خلال 2-5 سنوات.
بين السيادة والتضامن: هل تنجح أوروبا في حماية نفسها؟
في ضوء هذه الخطط، يتضح أن الاتحاد الأوروبي يحاول سد الفجوة بين السيادة الوطنية والتنسيق المشترك، تحسبًا لسيناريوهات قد تضرب أمنه الغذائي أو الصحي أو حتى العسكري. فبينما كان المخزون الاستراتيجي حكرًا على الدول الكبرى في الماضي، بات اليوم أحد أهم خطوط الدفاع الجماعي للقارة في وجه قرن يزداد اضطرابًا.