بعد دروس باريس القاسية سينر ينتزع “المرطبان كله” من ويمبلدون أمام ألكاراز

من بطل تزلج في الطفولة إلى ملك العشب في ويمبلدون، الإيطالي يانيك سينر يثأر من ألكاراز ويتوج بأول ألقابه في البطولة العريقة، بدموع و”حلويات” ونضج لا يُقهر.
درس باريس القاسي… وبداية التحوّل
بعد الهزيمة المريرة التي تلقاها من كارلوس ألكاراز في نهائي رولان غاروس، ظن الكثيرون أن سينر لن يتجاوز الأمر سريعًا. لكن مدربه دارين كاهيل عرف أن شيئًا قد تغيّر. حين غادر سينر قاعة اللاعبين، توقف أمام مرطبان ضخم من الحلوى – ذلك الذي يتجاهله اللاعبون المحترفون احترامًا لخططهم الغذائية – لم يكتفِ بحبة واحدة، بل حمل المرطبان كله ووزعه بسرور على فريقه. كانت تلك لحظة رمزية: “الخسارة لن تكسرني، وسأعود لأحصل على كل شيء.”
المواجهة مجددًا… والرعب القديم حاضر
نهائي ويمبلدون، المشهد نفسه، الخصم نفسه. لكن في ذاكرة سينر كانت الجراح لا تزال طرية: خمس هزائم متتالية أمام ألكاراز، آخرها كان أكثرها قسوة، حين خسر نهائي فرنسا المفتوحة رغم تقدمه بمجموعتين وثلاث نقاط مباراة.
في ويمبلدون، تقدم سينر مجددًا ووصل إلى نقاط الحسم. أنقذ ألكاراز الأولى، ثم الثانية. توتر الحشود تصاعد. وهنا، استدعى سينر شيئًا من روحه الرياضية الأولى، من أيام التزلج على الجليد. حين تكون على المنحدر، كل ما يمكنك فعله هو الاستمرار… السقوط، دون تراجع. وهكذا فعل سينر: استمر في “السقوط” حتى وجد نفسه في القمة.
أسلوب سينر… “المعكرونة بالجبن” ووجع لا ينتهي
لعبة سينر قد تبدو بسيطة، بلا بهرجة: ضربات ثابتة، سريعة، مباشرة. لكنها ليست مملة، بل مؤلمة. سينر لا يربك خصومه، بل يرهقهم حتى الانهيار. والملعب يصبح نفقًا لا يرى الخصم فيه نورًا.
كارلوس ألكاراز، الفتى المعجزة، حاول بكل ما أوتي من موهبة أن يخرج من ذلك النفق. استخدم الإرسال القصير، زاد المخاطرة، سقط أرضًا وهو يسدد ضرباته… لكنه كان يلعب ضد آلة لا تتعب. الإرسال بدأ يخونه، الضربات تخرج عن الإطار. وكان ذلك إعلان استسلام غير معلن.
اقرأ أيضًا :
إيغا شفيونتيك تسطر التاريخ في ويمبلدون: “دابل باجل” تاريخي وتتربع على عرش العشب لأول مرة
عشب ويمبلدون يرد الجميل… وسينر يرد التحية
بعد ضربة الإرسال الأخيرة التي لم يُعدها ألكاراز، سقطت البطولة في حضن سينر. الجماهير كانت ساخنة، ضاحكة، ثم صامتة حين بكى سينر في أحضان أسرته. لحظة إنسانية صافية.
لكنه فعل شيئًا غير معتاد: ركع على العشب وربّت عليه براحة يده، مرارًا. كما لو كان يشكر الأرض التي حملته، التي منحته ما حلم به طويلاً. وكأنّه فارس يودّع حصانه الوفي.
ألكاراز… وخسارة مفيدة في حكاية لم تنتهِ
رغم الهزيمة، خرج ألكاراز بشيء جديد. أمام آلة مثل سينر، لم تكن المعجزات كافية. ما يحتاجه هو لحظات الصمت، التركيز في اللحظات غير اللامعة، كما يفعل غريمه. المنافسة بينهما باتت واحدة من أعذب روايات التنس الحديث، لا يشوبها الكره بل يُغلفها الاحترام.
ومع اقتراب موسم الملاعب الصلبة في أمريكا، سيكون ألكاراز عائدًا بروح مختلفة. ربما أقوى، وربما أكثر ألمًا.
العنوان الرمزي: من المرطبان إلى المجد
في النهاية، ربما يكون مشهد الحلوى هو أكثر ما يعبّر عن سيرة سينر في هذا الصيف. بعد الهزيمة، حمل المرطبان بكل ما فيه. وبعد الانتصار، بكى الطفل داخله، الطفل الذي تزلج، وسقط، ونهض، ثم مدّ يده إلى الأعلى… ليأخذ كل شيء.