تحليق بطموحات محدودة: هل تواكب البحرية البريطانية تحديات العصر؟
البحرية البريطانية بين الواقع والطموح: هل تكفي التكنولوجيا المتقدمة لتعويض فجوات الجاهزية؟

في الوقت الذي تواصل فيه حاملة الطائرات البريطانية “برنس أوف ويلز” جولتها في المحيط الهادئ، تطفو على السطح تساؤلات جوهرية حول مستقبل القوة الجوية المحمولة على متن حاملات البحرية الملكية. وبينما تكشف الوثائق الرسمية عن تحديات مقلقة، تبرز جهود واعدة في تطوير الأنظمة الجوية غير المأهولة. فهل تستطيع بريطانيا الحفاظ على مكانتها كقوة بحرية فاعلة في ظل أزمة التسليح، والتكاليف المرتفعة، والتأخر التكنولوجي؟
تقرير رسمي يقر بالإخفاقات
أحدث تقييم صادر عن “المكتب الوطني للمراجعة” (NAO) في بريطانيا حول برنامج طائرات F-35B ألقى بظلال من الشك على جاهزية هذه المقاتلات لأداء المهام الموكلة إليها. رغم الاعتراف بقدرات الطائرة العالية، التي تتفوق كثيرًا على الطرازات السابقة في ما يتعلق بالبقاء والقدرة على تنفيذ الهجمات، إلا أن الأرقام لا تبعث على الاطمئنان. فقط ثلث الأسطول كان قادرًا على تنفيذ جميع المهام المطلوبة خلال عام 2024، بينما تمكنت نصف الطائرات من تنفيذ واحدة فقط من بين سبع مهام محتملة.
أزمة المهندسين وقطع الغيار تطفو على السطح
الانتشار الجاري لمجموعة الضرب البحرية في المحيط الهادئ سلّط الضوء على نقص في عدد المهندسين، في حين كشفت حادثة توقف إحدى المقاتلات في الهند عن أزمة في توافر قطع الغيار على المستوى العالمي. هذه الحوادث، وإن بدت ثانوية، تعكس هشاشة منظومة الدعم اللوجستي الضرورية لتشغيل أسطول متقدم.

تكاليف باهظة وعائدات متواضعة
بريطانيا تسلّمت حتى الآن 38 طائرة من طراز F-35، بتكلفة تجاوزت 11 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 289 مليون جنيه إسترليني للطائرة الواحدة. ورغم أن هذا الرقم يبدو صادمًا، إلا أنه يبقى أقل من تكلفة مقاتلات “تايفون” من الجيل الرابع، التي بلغت حوالي 388 مليون جنيه للطائرة، وهو ما يطرح تساؤلات حول كفاءة الإنفاق الدفاعي وجدوى المقارنات بين الأجيال المختلفة من الطائرات.
فقر تسليحي يؤثر على الفعالية القتالية
رغم قدرة F-35B على حمل طيف واسع من الأسلحة الأمريكية، فإن المخزون البريطاني المتاح محدود. حاليًا، يمكن للطائرة حمل صاروخ AMRAAM الأمريكي، وقنبلة ذكية ذات تصنيع بريطاني جزئي، إضافة إلى صاروخ ASRAAM البريطاني، ولكن الأخير لا يمكن وضعه داخل حجرة الأسلحة الداخلية، مما يعني فقدان القدرة على التخفي عند استخدامه. كما تأخرت عملية دمج صواريخ Meteor بعيدة المدى وصواريخ Spear 3 إلى ما بعد عام 2030، في ظل غياب منشآت اختبار بريطانية للتحقق من الحفاظ على خاصية التخفي.
الاستعراض لا يعني الجاهزية
يُنظر إلى إرسال 18 طائرة من طراز F-35 على متن “برنس أوف ويلز” كخطوة جريئة، لكن هناك من يرى أنها تحمل مخاطرة زائدة لبرنامج لم يحقق الاستقرار بعد. الكاتب توم شارب يرى أن تنفيذ مثل هذه المهمات كل أربع سنوات يساعد على كشف مواطن الضعف مبكرًا، بدلًا من الاعتماد على عروض مؤقتة قد توهم بتحقيق “القدرة التشغيلية الكاملة”.
الطائرات دون طيار: خيار واقعي وليس رفاهية
في المقابل، تحقق البحرية البريطانية تقدمًا ملحوظًا في تجريب الأنظمة غير المأهولة، خصوصًا ضمن “عملية هاي ماست” الجارية حاليًا. تشمل هذه التجارب طائرة Malloy T150 لنقل المعدات بين السفن، والطائرة العمودية “Peregrine” لأغراض المراقبة. كما يجري العمل على مشروع “Ark Royal”، الذي يهدف إلى تعديل حاملات الطائرات لتشغيل طائرات بدون طيار ثابتة الجناحين لأغراض متعددة، من التزود بالوقود إلى الهجوم الإلكتروني.
نظام تسليح أرخص وأكثر مرونة… ولكن بطيء التنفيذ
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن وتيرة دمج هذه الأنظمة في منظومة الدفاع البريطانية ما زالت بطيئة. ويشير شارب إلى أن البيروقراطية والمخاوف المفرطة من المخاطر تعيق الشركات الصغيرة والمتوسطة القادرة على ابتكار حلول فعالة، وتحرم بريطانيا من فرصة حقيقية للتفوق على حلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، في هذا المضمار.
اقرأ أيضاً
الاعتراف بفلسطين: خطوة رمزية من بريطانيا وفرنسا قد تُضعف فرص السلام بدلًا من تعزيزها
لا نجاح بدون تمويل حقيقي
في المحصلة، تعكس التقارير والتجارب الميدانية واقعًا مزدوجًا: طائرة F-35B متقدمة تقنيًا لكنها تفتقر للتسليح والدعم اللوجستي الكافي، وطائرات دون طيار واعدة لكن مهددة بالبطء المؤسسي. والمفارقة أن كلاً من هذين المسارين بحاجة ماسة إلى استثمارات إضافية. فالقوة الجوية المحمولة على حاملات الطائرات ليست مجرد طائرات على ظهر سفينة، بل نظام متكامل من القدرات يجب أن يُموّل ويُدار على هذا الأساس. والاعتماد على الحد الأدنى من التمويل سيجعل كل من المقاتلات المتطورة والطائرات دون طيار عاجزة عن تلبية احتياجات الدفاع البحري في بيئة استراتيجية متقلبة.