شراكه بحرية استراتيجية: كيف تعزز الهند والولايات المتحدة تعاونهما البحري في مواجهة الصين ؟
"تعزيز الوعي بالمجال البحري وتحقيق التوازن الاستراتي

بينما تواصل الصين توسيع أنشطتها البحرية في المحيطين الهندي والهادئ، تجد الولايات المتحدة والهند أنفسهما أمام واقع استراتيجي يتطلب تعاونًا عسكريًا وتقنيًا غير مسبوق في مجال الوعي بالمجال البحري (MDA)، من أجل التصدي لما يُعرف بـ”التهديدات الرمادية” الصينية، وحماية طرق التجارة الحيوية.
ما هو الوعي بالمجال البحري (MDA)؟
يشير MDA إلى القدرة على فهم وتحليل كل ما يحدث في الفضاء البحري ويؤثر على الأمن والسلامة والتجارة والبيئة. يعتمد هذا المفهوم على شبكة من أجهزة الاستشعار والبيانات المستخرجة من الفضاء، والسطح، وتحت الماء، لتوفير صورة شاملة ومحدثة عن النشاطات البحرية.
تعاون أمريكي-هندي قائم على تبادل التكنولوجيا والبيانات
التعاون بين واشنطن ونيودلهي في هذا المجال يشمل مشاركة البيانات في الوقت الفعلي، وإجراء عمليات مراقبة مشتركة، واستخدام تقنيات متقدمة للكشف المبكر عن الأنشطة المعادية أو المريبة في البحار.
لماذا بات هذا التعاون ضرورة أمنية؟
في ظل التوسع المتسارع في الانتشار البحري الصيني، وازدياد حوادث التخريب الإلكتروني لكابلات الإنترنت تحت البحر، لم يعد التعاون البحري بين الولايات المتحدة والهند خيارًا استراتيجيًا، بل ضرورة أمنية ملحة للطرفين.
الكابلات البحرية… أهداف تحت الماء
تعرضت الكابلات البحرية التي تربط تايوان بجزر ماتسو في عام 2023 للتخريب 12 مرة، وفقًا لشركة الاتصالات التايوانية “Chunghwa”. استغرق إصلاح هذه الأضرار أسابيع، وكلف أكثر من 2.9 مليون دولار.
تكتيكات رمادية… بصمات خفية لبكين
على الرغم من نفي الصين أي دور في هذه الحوادث، إلا أن النمط المتكرر يشير إلى استخدام الصين لتكتيكات رمادية عبر سفن مدنية مزودة بقدرات عسكرية، تعمل تحت ستار الأبحاث أو الصيد، لكن في الحقيقة تنفذ مهام استطلاع وعرقلة للبنية التحتية البحرية الحيوية.
الميليشيا البحرية الصينية: أسطول خفي متعدد المهام
تشغل الصين أسطولًا من القوارب والسفن المدنية التي تتبع فعليًا لقيادة الجيش الشعبي، وتُستخدم لفرض الأمر الواقع في النزاعات البحرية دون إثارة مواجهة مباشرة. هذه السفن تقوم بالمراقبة، والمضايقة، وحتى الهجوم، مما يصعّب اكتشاف النوايا الحقيقية.
الهند: مركز المراقبة الطبيعي للممرات العالمية
تتمتع الهند بموقع جغرافي استراتيجي يجعلها مطلة على أهم الممرات البحرية العالمية من بحر أندمان وخليج البنغال، مرورًا بمضيق ملقا، وصولًا إلى بحر العرب والقرن الإفريقي. هذا الموقع يجعلها قادرة على مراقبة نقاط الاختناق البحرية الحرجة في التجارة العالمية.
نقاط الاختناق البحرية: ملقا، هرمز، وباب المندب
مضيق ملقا: يمر عبره نحو 23.7 مليون برميل نفط يوميًا، أي ربع التجارة البحرية العالمية للنفط.
مضيق هرمز: ينقل حوالي 20 مليون برميل يوميًا.
باب المندب: نقل حوالي 8.6 مليون برميل يوميًا في عام 2023.
لماذا تحتاج أمريكا إلى الهند؟
الولايات المتحدة ترى في الهند شريكًا مثاليًا يغنيها عن إقامة قواعد جديدة أو تكثيف الدوريات المكلفة، فالهند تُمثل “عيونًا وآذانًا” حليفة في المحيطين الهندي والهادئ.
ما المكاسب الهندية من هذا التعاون؟
بالنسبة لنيودلهي، يُعزز هذا التعاون قدراتها الاستخباراتية والتقنية من دون التفريط باستقلالها الاستراتيجي، ويضعها في قلب التوازن الأمني في المنطقة.
الشراكة كعامل مضاعف للقوة
يمثل التعاون في MDA وسيلة فعالة لتعزيز الردع وخفض التكاليف. فالهند تستفيد من التكنولوجيا الأمريكية، بينما تستفيد واشنطن من الموقع الجغرافي للهند، في معادلة رابحة للطرفين.
التحديات القادمة: توازن الردع دون صدام
رغم التقدم، يواجه هذا التحالف تحديات تتعلق بالحفاظ على التوازن مع الصين، وتفادي اندلاع مواجهات مباشرة، مع تأكيد الطرفين على الطابع الدفاعي لهذا التعاون.
التطلع للمستقبل: نحو منظومة مراقبة بحرية متكاملة
إذا استمر هذا المسار، فإن واشنطن ونيودلهي تتجهان لبناء شبكة بحرية ذكية تتيح كشف التهديدات مسبقًا، والتصدي لها بفعالية، ضمن نظام يتجاوز الاعتماد على الرادارات التقليدية.