اسبانيا تتخلي عن مقاتلات F-35 الأمريكية: تصعيد التوترات مع واشنطن وتعزيز التعاون الأوروبي الدفاعي
إسبانيا تتخلى عن F-35: تعزيز الاستقلالية الدفاعية الأوروبية وسط توترات مع واشنطن

في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية واضحة، قررت الحكومة الإسبانية عدم شراء مقاتلات F-35 الأمريكية المتقدمة من شركة “لوكهيد مارتن”، مفضلة بدلاً من ذلك الاعتماد على المقاتلات الأوروبية الحالية من طراز “يورو فايتر” والمشاركة في تطوير مشروع FCAS المستقبلي المشترك مع فرنسا وألمانيا. هذا القرار يعكس تصاعد التوترات بين مدريد وواشنطن، خصوصًا بعد أن وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض إسبانيا زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035 بأنه “قرار رهيب”.
مخاوف من الضغط السياسي الأمريكي
بحسب وزارة الدفاع الإسبانية، فإن “الخيار الإسباني يتكون من اليوروفايتر الحالي، ومنظومة القتال الجوي المستقبلية FCAS”. ويبدو أن الحكومة الإسبانية أرادت تجنب شراء الـF-35 لتفادي استخدام الصفقة كورقة ضغط من الإدارة الأمريكية على الحكومة الاشتراكية بقيادة بيدرو سانشيز. الباحث الأمريكي مايكل وولش رأى أن شراء F-35 في هذا التوقيت كان سيشكل “مخاطرة سياسية كبيرة”، حيث كان من الممكن لواشنطن استغلالها لفرض أجندتها الأمنية والدبلوماسية.
سياق أوروبي أوسع للتشكيك في الاعتماد على واشنطن
القرار الإسباني لا يأتي بمعزل عن سياق أوروبي أوسع يشهد تزايد الشكوك تجاه الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة في المجال الدفاعي، خصوصًا في ظل مواقف ترامب المتقلبة تجاه الناتو. في البرتغال، تم أيضًا طرح بدائل للـF-35، فيما دعا نواب في البرلمان السويسري إلى إلغاء صفقة ضخمة لشراء المقاتلات الأمريكية، ردًا على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب مؤخرًا على الصادرات السويسرية. وفي المقابل، أعلنت بريطانيا مؤخرًا نيتها شراء نسخة F-35A لضمها إلى ترسانتها النووية الجوية.
انتقادات داخلية واتهامات بـ”العداء لواشنطن”
القرار الإسباني أثار أيضًا انتقادات من المعارضة اليمينية، حيث طالبت النائبة كوكه جامارا من حزب الشعب بمثول وزيرة الدفاع مارغريتا روبليس أمام البرلمان لتبرير القرار. وقالت: “نشهد مرة أخرى مثالًا على عقيدة حكومة سانشيز، التي تفضل المواجهة الأيديولوجية مع الولايات المتحدة على حساب المصلحة العامة والأمن القومي”.
اقرا ايضا
هتفبرك؟ تتحبس.. كيف يحارب القانون فبركه المحتوي والابتزاز الالكتروني ؟
قدرات محدودة لليوروفايتر ومستقبل مشترك في FCAS
بينما يُعتبر اليوروفايتر مقاتلة من الجيل الرابع والنصف، إلا أن قدراته لا تصل إلى مستوى الـF-35 من حيث التخفي والمدى والتكامل التقني. لكن الحكومة الإسبانية ترى أن المشروع المشترك FCAS سيشكل نقلة نوعية في الدفاع الأوروبي، رغم الخلافات التي تعصف بالمشروع بين شركات إيرباص وداسو وأندرا. إذا ما تجاوزت الأطراف المعنية تلك الخلافات، فمن المتوقع أن يدخل FCAS الخدمة في عام 2040 على أقرب تقدير.
تصنيع محلي وتعزيز للصناعات الدفاعية الوطنية
تسعى إسبانيا أيضًا من خلال هذا التوجه إلى دعم صناعاتها الدفاعية المحلية، حيث تُجمع مقاتلات اليوروفايتر في منشأة تابعة لإيرباص قرب مدريد، ومن المنتظر تسليم 25 طائرة جديدة بين عامي 2026 و2030، ما يرفع عدد الطائرات من هذا النوع في القوات الجوية الإسبانية إلى 115. هذا الاستثمار يعزز مكانة إسبانيا كعنصر فاعل في الصناعات الدفاعية الأوروبية، ويحد من التبعية العسكرية لواشنطن.
استنتاجات: التحول الإسباني يرمز لفجوة استراتيجية أوروبية أمريكية
يرمز قرار إسبانيا بالتخلي عن الـF-35 إلى تحول أوسع في التفكير الاستراتيجي الأوروبي تجاه بناء استقلالية دفاعية متكاملة بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية. وهو أيضًا مؤشر واضح على تصاعد التوترات الدبلوماسية بين مدريد وواشنطن في ظل إدارة ترامب الثانية، ليس فقط بسبب الإنفاق الدفاعي، بل نتيجة اختلافات متراكمة في ملفات السياسة الخارجية من الصين إلى الاقتصاد العالمي.
بينما قد يُنظر للقرار باعتباره تقنيًا أو ماليًا في ظاهره، إلا أن مضمونه يعكس نقلة نوعية في التوجهات الجيوسياسية لإسبانيا وأوروبا، في وقت يشهد فيه النظام الدولي تغيرات جذرية في ميزان القوى وشبكات التحالفات.