الوكالات

هل يهدد الانفتاح هيمنة OpenAI؟ – فايننشال تايمز

الانفتاح يعود إلى ساحة الذكاء الاصطناعي: مناورة أمريكية لمواجهة الصعود الصيني

في تقرير نشرته Financial Times قبل دقائق، يتناول الكاتب ريتشارد ووترز خطوة شركة OpenAI غير المتوقعة بإصدار نماذج مفتوحة المصدر يمكن للجميع تحميلها وتشغيلها مجانًا، للمرة الأولى منذ عام 2019. هذا التحول يعيد فتح النقاش حول مستقبل “الانفتاح” في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما في ظل الصعود السريع لنماذج مجانية أطلقتها شركات صينية مثل DeepSeek، والتي باتت تقترب في أدائها من أقوى النماذج التجارية. وبينما تحاول الشركات الأمريكية احتواء هذه الموجة بإطلاق نماذج مفتوحة منخفضة المستوى، يظل السؤال المطروح هو: هل تعزز هذه الخطوة موقعها، أم تفتح الباب لمنافسين جدد يهددون هيمنتها على السوق الناشئة للذكاء الاصطناعي؟

 

الانفتاح كخطة دفاعية: تكتيك قديم في ثوب جديد

منذ صعود نظام “لينكس” مفتوح المصدر في تسعينيات القرن الماضي، أدركت كبرى الشركات التقنية أن الانفتاح قد يشكل سلاحًا دفاعيًا فعالًا في مواجهة الهيمنة الاحتكارية. IBM استخدمت لينكس لإيقاف زحف مايكروسوفت على سوق الخوادم، مما أعاق توسع نظام ويندوز. واليوم، يبدو أن شركات الذكاء الاصطناعي تعيد استخدام نفس الاستراتيجية، لكن في ساحة أكثر تعقيدًا. إصدار OpenAI لنماذج مفتوحة – وكذلك إعلان إيلون ماسك عن نية xAI إتاحة نموذج سابق – يعكس محاولة لاحتواء تمدد النماذج الصينية التي باتت تنافس النماذج التجارية في الأداء، وتُهدد بتغيير قواعد اللعبة.

 

نماذج الصين المجانية تُربك الحسابات الأمريكية

النجاح المفاجئ لنماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي خرجت من الصين في العام الحالي، مثل DeepSeek وAlibaba، غيّر ملامح المنافسة. فبينما كانت الشركات الأمريكية تراهن على تفوقها التكنولوجي، جاءت هذه النماذج لتبرهن أن “الجيد بما يكفي” قد يكون مجانًا. هذا التحدي دفع OpenAI وغيرها إلى إعادة التفكير في طريقة توزيع منتجاتها، والسماح بهوامش انفتاح محسوبة قد تُكسبها المرونة أمام المنافسين، دون التفريط في تقنياتها الرائدة. ومع ذلك، يبقى خطر “الانتقال الجماعي” إلى البدائل المجانية قائمًا، خاصة مع نضوج السوق وتقليص الحوافز لشراء التقنيات الأحدث.

 

الرهان على المزج بين الانفتاح والانغلاق

استراتيجية الشركات الأمريكية بدأت تتبلور نحو مزيج ذكي من الانفتاح والاحتكار. فالنماذج المفتوحة تُطرح كمستويات أولية محدودة الإمكانيات – مثل نماذج OpenAI التي تتعامل مع النصوص فقط – بينما تُحتفظ النماذج المتقدمة كمنتجات تجارية مدفوعة. مارك زوكربيرغ في Meta استلهم تجربة لينكس عند إطلاق LLaMA كمبادرة دفاعية، قبل أن يتحول إلى الهجوم برؤية أن الذكاء الاصطناعي سيكون جوهر مستقبل الشركة. ومع توجّه Meta الآن نحو تقليص الانفتاح في نماذجها الأحدث، يتضح أن المزج بين النظامين لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة استراتيجية في سوق لا يحتمل الازدواجية المطلقة.

 

الانفتاح قد يوسّع السوق لكنه لا يمنع الخطر

أحد مزايا الانفتاح هو تمكين الشركات من تشغيل النماذج على خوادمها الخاصة دون مشاركة بياناتها مع طرف ثالث، مما يُزيل بعض الهواجس المتعلقة بالخصوصية. وهذا يفسر لماذا بدأت الشركات الصغيرة والمتوسطة تعتمد النماذج المفتوحة لأغراض التخصيص المحلي. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني تراجع الطلب على النماذج التجارية الأحدث، حيث تُشير دراسات مثل استطلاع Menlo Ventures إلى أن 1 من كل 8 عمليات ذكاء اصطناعي تجارية فقط تُشغّل على نماذج مفتوحة. معظم المستخدمين، بحسب الاستطلاع، يفضلون دفع ثمن استخدام أحدث النماذج بدلًا من المغامرة بتجربة البدائل.

 

نهاية اللعبة: التحدي الحقيقي ليس في التقنية بل في القيمة

الخطر الحقيقي الذي يهدد شركات الذكاء الاصطناعي الغربية لا يكمن فقط في تقدم النماذج الصينية، بل في التغير السلوكي للمستخدمين. فكما حدث مع البرمجيات في السابق، قد يصل السوق إلى نقطة يتوقف فيها العملاء عن الدفع مقابل الميزات الأحدث، ويلجؤون إلى بدائل مجانية توفر “الحد الأدنى المقبول” من الكفاءة. وإذا استمرت الشركات في حجز أفضل نماذجها خلف الجدران المغلقة، فإنها تخاطر بفقدان الريادة أمام منافسين لا يخشون المخاطرة بالإفصاح عن تقنياتهم. المفتاح، إذًا، هو في تحقيق التوازن: الإفراج عن ما يكفي لجذب السوق، والاحتفاظ بما يكفي لضمان السيطرة.

اقرأ أيضاً

تحوّل استراتيجي في وادي السيليكون: عندما تفتح OpenAI أبوابها لمواجهة الصين

بين الانفتاح والربحية

 

بينما تحتفي فايننشال تايمز بعودة “الانفتاح” إلى اسم OpenAI، فإن السؤال الحقيقي هو: هل هذه العودة خطوة استراتيجية محسوبة، أم بداية لانهيار هيمنة النماذج التجارية المغلقة؟ التحدي الأكبر أمام شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية لن يكون فقط في مجاراة النماذج المفتوحة من الصين، بل في إقناع المستخدمين بأن “الأفضل” يستحق الدفع. ومع تسارع الابتكار، وصعوبة دفع الحدود التقنية إلى الأمام، سيكون على هذه الشركات إعادة تعريف القيمة الحقيقية لمنتجاتها. فكما يختتم التقرير، فإن “دفع الجبهة إلى الأمام يزداد صعوبة كل يوم”… والمستقبل قد يكون أكثر انفتاحًا مما تريده وادي السيليكون.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى