غواصون أفرو-كولومبيون يخوضون معركة إنقاذ الحياة البحرية في خليج تريبوغا
رحلة إنقاذ الحياة البحرية في خليج تريبوغا: تحديات ومخاطر يومية

في قلب الغابات المطيرة الكثيفة على الساحل الهادئ لكولومبيا، وبين سكون المحيط، يخوض غواصون أفرو-كولومبيون معركة صامتة ولكن بطولية ضد شبح خفي يهدد حياة الحيتان والسلاحف والشعاب المرجانية: شِباك الصيد المهجورة، أو ما يُعرف بـ”معدات الصيد الشبح”.
لحظة قد تكلّف الحياة
كان “لويز أنطونيو لوريدا”، المعروف باسم “تونو”، قد أنهى يومًا شاقًا من الغوص عندما جاءه الخبر: حوت أحدب صغير عالق في شبكة صيد. تحرّك بسرعة نحو الموقع، ليجد الحوت الشاب – الذي يبلغ طوله نحو 5 أمتار – مربوطًا بشبكة مليئة بالخطاطيف، تلتف حول زعنفته وفمه، وأمه تحوم حوله بقلق.
“اتصلت بالحوت عبر ما نسميه ‘التواصل الحدسي بين الأنواع’،” يقول لوريدا، مشيرًا إلى تواصل غير لفظي مع الحيوان. “طلبت إذن الأم أولًا، وحين رأت أننا لا نريد الأذى، سمحت لنا بالاقتراب. ثم هدأ الحوت الصغير، فأزلت الشبكة من فمه بيدي.” لحظة خاطئة كانت ستكلّف حياته أو حياة الحوت.
حرّاس البحر
لوريدا هو أحد تسعة أفراد يشكّلون مجموعة “حرّاس البحر” (Guardianes del Mar)، وهم ناشطون محليون من أصول إفريقية ينتمون إلى ستّ قرى ساحلية في خليج تريبوغا – منطقة بيئية نادرة وملاذ بحري معتمد من اليونسكو، تمتد على 600 ألف هكتار من المحيط والغابات والمانغروف.
الغوص ضروري لتحديد أماكن “الشباك الشبح”، وهي أدوات صيد بلاستيكية قوية مهجورة في البحر، لكنها باهظة التكاليف. لذا، تلقى الفريق تدريبًا خاصًا برعاية منظمات بيئية مثل Ecomares وConservation International، ليتمكنوا من إزالة الشباك بحذر وسرعة ودقة، دون الإضرار بالحياة البحرية أو أنفسهم.
مقبرة تحت الماء
وفقًا لمنظمة WWF، يُفقد أو يُهجر أكثر من 50 ألف طن من معدات الصيد سنويًا في المحيطات، فتتجول هذه “الأشباح” عشوائيًا بين الحدود البحرية، تصطاد دون صائد. في خليج تريبوغا وحده، يُقدّر أن 3 إلى 4 حيتان أحدب تتعرض للاختناق بالشباك سنويًا.
تقول “نيي إيبارجوين”، أول امرأة في الخليج تحصل على شهادة غوص، “حيثما تستقر معدات الصيد الشبح، تنشأ مقبرة صامتة. لكننا لا نستطيع إنقاذ ما لا نراه”.
إصلاح بيئي… وإبداع مجتمعي
منذ تأسيس المجموعة رسميًا عام 2023، نجح الفريق في إزالة أكثر من 120 كجم من الشباك، وترتفع الكمية إلى 700 كجم منذ بداياتهم في 2017. بعضهم يعمل أيضًا كـ”بستانيي شعاب مرجانية”، يزرعون الشعاب ويجرون مسوحًا بيئية بالتعاون مع العلماء.
وبدلًا من التخلص من الشباك المهملة، يعاد تدويرها محليًا: تُصنع منها أساور تباع في ألمانيا وكولومبيا، بينما تُصهر الأثقال المعدنية لصناعة أوزان جديدة للغوص.
تحديات لوجستية ضخمة
رغم كل الجهود، تواجه المجموعة تحديات يومية. لا توجد طرق برية تربط القرى – يعتمد الجميع على القوارب والطائرات، مما يجعل نقل الشباك لإعادة التدوير أمرًا مكلفًا للغاية. تقول “بنيامين غونزاليس”، أحد كبار الحراس: “كنا نرسل الشباك إلى مدينة بوينافينتورا، لكن أسعار الوقود جعلت الأمر مستحيلًا”.
وعي بيئي في مواجهة التنمية العشوائية
سكان تريبوغا، البالغ عددهم نحو 7,000، يحملون في ذاكرتهم دروس الماضي. بعد أن هرب أسلافهم المستعبدون من الإسبان واستقروا على الساحل بمساعدة السكان الأصليين من شعب “إيمبيرا”، بنوا نموذجًا للحكم المحلي المعترف به رسميًا في كولومبيا. وعندما حاولت الحكومة إنشاء ميناء عميق في المنطقة – شبيه بميناء بوينافينتورا الذي جلب معه العنف والتهجير والتلوث – وقف السكان وقفة واحدة لإجهاض المشروع.
توازن دقيق
يعرف “كاميلو مورانتي”، أصغر أعضاء الفريق، صعوبة معادلة البيئة والمعيشة. “الجميع هنا يعتمد على الصيد. لا يمكننا أن نطلب من أحد التوقف عن استخدام الشباك، لكن يمكننا أن نرفع الوعي لندرك نتائج أفعالنا”.
خلاصة
“حرّاس البحر” ليسوا مجرد غواصين، بل هم طليعة في مواجهة كارثة بيئية صامتة. بشجاعة، وبإيمان بالتوازن بين الإنسان والطبيعة، يخوضون غمار الخطر تحت الماء، من أجل حياة بحرية أكثر أمانًا… وحياة بشرية أكثر احترامًا لما حولها.