تحولات جذرية في قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي: بين الفرص والتحديات في عصر الذكاء الاصطناعي

تشهد الهند، التي تعد مركزًا ضخمًا لخدمات تكنولوجيا المعلومات، تحولًا سريعًا في ظل التحديات الجديدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي (AI). تحاول شركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة في البلاد، مثل “إنفوسيس” و”تي سي إس” و”ويبر”، إعادة هيكلة نفسها لتواكب هذا العصر الجديد، بينما يعاني القطاع من تباطؤ في الطلب على خدماته في الأسواق الرئيسية مثل الولايات المتحدة. ذلك في وقت يبدو فيه الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذو حدين، حيث يساهم في تطور بعض الشركات، ولكنه في الوقت ذاته يشكل تهديدًا لتقليص ميزانيات العملاء في المستقبل القريب.
الضغوط على القطاع الهندي:
على الرغم من الهيمنة الطويلة لقطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات الهندي، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تباطؤًا في نموه، مما يثير القلق بين العاملين في المجال والمستثمرين على حد سواء. يعزو بنك HSBC هذه المشكلة إلى حالة من عدم اليقين الاقتصادي، إضافة إلى منافسة متزايدة من مراكز القدرات العالمية التي تنشئها الشركات داخل الهند، فضلاً عن “الغموض” الذي يحيط بتأثير الذكاء الاصطناعي. كما تأثرت الأعمال أيضًا بالتوترات التجارية، مثل الحروب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما في ذلك فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات من الهند، ما أثر بشكل مباشر على اتخاذ قرارات الأعمال والاستثمار.
الذكاء الاصطناعي كمصدر للأمل والتهديد:
تدرك الشركات الهندية الكبرى في القطاع، مثل “إنفوسيس” و”تي سي إس” و”ويبر”، أن الذكاء الاصطناعي يمثل سيفًا ذو حدين. في هذا السياق، ذكر ناندان نيلاكاني، المؤسس المشارك لشركة “إنفوسيس” ورئيسها، أن شركته تعمل على “مئات” من مشاريع الذكاء الاصطناعي مع شركاء من الشركات الكبرى، رغم أن هذه التقنية قد أثرت سلبًا على الإنفاق في بعض المجالات الأخرى. وتوقع أن يتغير توازن الإنفاق في المستقبل، ليصبح أكثر تركيزًا على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو ما سيعني تحولًا في طريقة تقديم الخدمات في السوق.
النتائج المتباينة لشركات تكنولوجيا المعلومات الهندية:
بالرغم من صعوبة الوضع في السوق، هناك بعض العلامات على انتعاش القطاع. فقد أظهرت تقارير الأداء لشركات مثل “إنفوسيس” و”ويبر” نتائج إيجابية، مع الحصول على مشاريع بمليارات الدولارات وتحقيق نمو في المبيعات تجاوز التوقعات. من ناحية أخرى، أظهرت شركة “تي سي إس” نتائج أقل من المتوقع رغم توقيعها اتفاقيات مع شركات مثل “فيرجن أتلانتيك” لتحديث العمليات التقنية لديها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
القلق حول تقليص القوى العاملة:
تُعَتَبر “الذكاء الاصطناعي” أداة قوية يمكن أن تؤدي إلى تقليص عدد الوظائف في الهند، وهي واحدة من أكبر أسواق العمل البيضاء في العالم. في خطوة جريئة، أعلنت “تي سي إس” مؤخرًا عن خطط لتقليص 2% من قوتها العاملة، وهو ما يعادل حوالي 12,000 موظف، كجزء من خططها للاستعداد للمستقبل واستثمارها في التكنولوجيا الجديدة والذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. كما أشار المحللون إلى أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي سيتطلب عددًا أقل من الموظفين، مما يجعل النموذج التقليدي لأعمال الاستعانة بالمصادر الخارجية في الهند مهددًا.
الذكاء الاصطناعي والفرص المستقبلية:
على الرغم من هذه التحديات، يرى ناندان نيلاكاني أن هناك فرصًا كبيرة في هذا المجال. فهو يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز الإنتاجية ويساعد الشركات على القيام بالمزيد باستخدام عدد أقل من الأفراد. ويؤكد أن الهند، بفضل مرونتها وقدرتها على تدريب أفرادها، قادرة على التكيف مع هذه التحولات التكنولوجية واغتنام الفرص التي قد تظهر في المستقبل.
من الواضح أن القطاع الهندي لخدمات تكنولوجيا المعلومات يمر بتحولات جذرية في ظل الزيادة المستمرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي. في حين أن هذه التكنولوجيا تقدم فرصًا كبيرة للنمو والتطور، فإنها في الوقت ذاته تشكل تهديدًا للأعمال التقليدية وتؤدي إلى تغييرات في سوق العمل. على الرغم من التحديات الحالية، يبقى الأمل في أن الهند ستكون قادرة على الاستفادة من هذه التحولات التكنولوجية، مع اتخاذ خطوات استراتيجية لضمان استمرار القطاع في النمو والابتكار.