عربي وعالمي

تحوُّل حاسم في موقف ترامب يعيد صياغة مسار الدعم الأمريكي لكييف

بين تصعيد أوكراني في العمق الروسي وتحرك دبلوماسي غربي غير مسبوق

في تحول غير متوقع قد يعيد ضبط إيقاع الحرب الأوكرانية، يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستخدام صلاحيات السحب الرئاسي العاجل لتقديم شحنة أسلحة جديدة إلى كييف، بعد فترة من الغموض والتردد في مواقفه تجاه الأزمة. هذا التحرك يأتي بالتزامن مع تكثيف الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة داخل الأراضي الروسية، ما فرض على موسكو اتخاذ إجراءات طارئة لإغلاق أجوائها.

300 مليون دولار من السلاح الاستراتيجي

هذه الخطوة من ترامب، التي وصفها مراقبون بـ”الاستثنائية”، تتضمن استخدام ما تبقى من الصلاحيات الطارئة التي منحها الكونغرس للبيت الأبيض، والتي سبق أن اعتمد عليها الرئيس السابق جو بايدن بشكل متكرر. وتشير مصادر مطلعة إلى أن الحزمة الجديدة تبلغ قيمتها نحو 300 مليون دولار، وتشمل معدات متقدمة مثل صواريخ باتريوت وراجمات GMLRS، وهي أسلحة تُعتبر على رأس أولويات كييف.

خلاف داخل الإدارة الأمريكية يتراجع لصالح التسليح

اللافت أن هذا التوجه لا يُعد فقط تحوّلاً في سياسة ترامب، بل إنه يضع حدًا لحالة التجاذب داخل الإدارة الأمريكية، خاصة بعدما أبدت وزارة الدفاع بقيادة بيت هيغسيث تحفظًا واضحًا تجاه استمرار دعم أوكرانيا عسكريًا خلال الأشهر الماضية. إلا أن تصريحات ترامب الأخيرة، والتي أكد فيها دعمه لتسليح كييف لصد التقدم الروسي، جاءت بمثابة إعادة تموضع سياسي واضح يعكس جدية التعامل مع التصعيد على الجبهة الشرقية.

هجمات كييف الجوية تُربك موسكو وتُغلق سماءها

وبينما تتجه واشنطن إلى تصعيد دعمها العسكري، كانت كييف تفتح جبهة ضغط أخرى داخل العمق الروسي، من خلال موجة هجمات بالطائرات المسيّرة طالت مطارات رئيسية في العاصمة موسكو، من بينها دوموديدوفو وفنوكوفو وزوكوفسكي، بالإضافة إلى توقف مؤقت في مطار كالوجا. هذه العمليات، التي أربكت الحركة الجوية الروسية، لم تكن الأولى من نوعها، لكنها تكتسب زخمًا جديدًا مع تكرارها واتساع نطاقها.

أوكرانيا تفرض حظرًا جويًا غير معلن على العاصمة الروسية

في هذا الإطار، يرى مراقبون أن الهجمات الجوية الأوكرانية باتت تفرض على موسكو واقعًا شبيهًا بـ”منطقة حظر طيران غير معلنة”، ما يُلزمها بتحويل جزء كبير من قدراتها الدفاعية إلى الداخل، بدلاً من الجبهات المفتوحة في الشرق والجنوب. ويعزز هذا التحليل استمرار أوكرانيا في تبنّي استراتيجية الهجوم الاستباقي، بهدف استنزاف الخصم على أكثر من محور.

اغتيال غامض داخل جهاز الأمن الأوكراني

بالتوازي مع التصعيد العسكري، شهد الداخل الأوكراني حادثة أمنية خطيرة، حيث تم اغتيال ضابط رفيع برتبة عقيد في جهاز الأمن الأوكراني (SBU) بإطلاق نار في مرآب سيارات جنوبي كييف. الحادث، الذي ما زالت تفاصيله قيد التحقيق، أعاد تسليط الضوء على هشاشة الوضع الداخلي، خصوصًا مع ورود تقارير تفيد بأن الضابط القتيل كان من الشخصيات المؤثرة داخل الجهاز الأمني.

تحرك دبلوماسي لتغيير سفير أوكرانيا في واشنطن

هذه التوترات، بشقيها العسكري والأمني، يبدو أنها دفعت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى التحرك على مستوى السلك الدبلوماسي، إذ أعلن عن نيته تغيير سفير بلاده في الولايات المتحدة، مؤكدًا أن المهمة المقبلة تقتضي شخصية تتمتع بخبرة استراتيجية في إدارة العلاقات الدولية والعسكرية. وفي هذا السياق، طُرح اسم وزير الدفاع رستم أوميروف كمرشح محتمل لتولي هذا المنصب الحساس، في خطوة تشير إلى دمج المسارين السياسي والعسكري في صياغة العلاقات مع واشنطن.

قصف روسي عنيف وتصعيد متبادل في خاركيف وكييف

في المقابل، لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي، إذ شنّت القوات الروسية سلسلة غارات عنيفة استهدفت العاصمة كييف ومناطق أخرى في خاركيف، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة العشرات، بحسب مصادر رسمية. هذه الهجمات تأتي بعد تحذير أطلقه زيلينسكي من احتمال استخدام موسكو نحو ألف طائرة مسيّرة في هجوم متزامن، داعيًا الدول الغربية إلى التحرك العاجل وفرض حزمة عقوبات إضافية لردع التصعيد الروسي.

واشنطن تُلوّح بعقوبات جديدة بعد تعثّر المفاوضات

هذا التصعيد الميداني انعكس سريعًا على المواقف الدبلوماسية، إذ عبّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن “خيبة أمل كبيرة” بعد لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في كوالالمبور، بسبب ما وصفه بـ”تعنّت موسكو وعدم جديتها في فتح مسار تفاوضي حقيقي”. وأضاف روبيو أن إدارة ترامب باتت تنظر إلى العقوبات الاقتصادية كأداة جاهزة وقابلة للتفعيل الفوري، وأن هذا الخيار يخضع حاليًا لنقاش حاد داخل الكونغرس.

الاختراق الروسي لأجواء الناتو يفتح باب القلق الأوروبي

تتزامن هذه التصريحات مع اختراق جديد لأجواء دول الناتو، حيث أعلنت ليتوانيا سقوط طائرة مسيّرة روسية داخل أراضيها، من طراز خداعي يُستخدم لمحاكاة الطائرات المسلحة، وهو ما يُعد تطورًا خطيرًا يعيد إلى الأذهان حساسية حدود الحلف، واحتمال انجرار دوله إلى مواجهات مباشرة.

حرب اقتصادية متبادلة: أصول مصادرة وأموال مجمّدة

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد كشفت تقارير حديثة عن مصادرة موسكو لأصول تعود لشركات غربية، تصل قيمتها إلى نحو 50 مليار دولار منذ اندلاع الحرب، فيما يحتفظ الغرب بأكثر من 355 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة. وتتزايد المطالب داخل الاتحاد الأوروبي باستخدام هذه الأموال في تمويل عمليات إعادة الإعمار في أوكرانيا، باعتبارها أداة ضغط اقتصادية لا تقل تأثيرًا عن السلاح.

باريس تستعد لقيادة مرحلة ما بعد الحرب

وفي خطوة تؤكد أن المجتمع الدولي بدأ يستعد لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، أعلنت عدة دول مشاركتها في إنشاء مقر قيادة لقوات حفظ السلام في العاصمة الفرنسية باريس، وذلك على هامش مؤتمر دولي لإعادة إعمار أوكرانيا عُقد في روما. وشاركت في الاجتماع وفود أوروبية وأمريكية رفيعة، كما شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عبر تقنية الفيديو، في إشارة إلى إجماع غربي متنامٍ حول ضرورة الانتقال من مرحلة الدعم العسكري إلى التخطيط لإعادة بناء الدولة الأوكرانية.

اقرا ايضا: ترامب يحرج البنتاغون بتراجع مفاجئ عن قرار وقف تسليح اوكرانيا: انتصار مؤقت العقلانية

رجاء رضا

رجاء رضا بكالوريوس إعلام – جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى