رمزية جوفاء : الدولة الفلسطينية المصطنعة لدى الغرب .

خطوة صحيحة دون سياسة مباشرة:الدولة الفلسطينية الغامضة و مفقودة السيادة!!
بشكل يشوبه الاحتفال و الفرح ، أعلن عن الاعتراف الرسمي في عيد تأسيس الأمم المتحدة الثمانين عن الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية من 20 دولة عظمى ، بما فيهم إنجلترا و فرنسا و بلجيكيا و ، في خطوة تعد مهمة و مؤسسة دليلًا على مرحلة جديدة من المعارضة الدولية المبرمجة بعد اشتداد الضغط الشعبي الكامن في المظاهرات اليومية و الاحتجاجات العمالية ، مع ضغط الصحافة المستقلة علي الحكومات الغربية ، ما يقلص من قيمة الاحتلال الإسرائيلي دوليًا و يزيد من عزلته بكلا شقيه الشعبي و الرسمي المتفق على أمر واحد فقط إسرائيل دولة غير مرغوب فيها .
عطفًا على ذلك ، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعني بالضرورة قطع حبال الإمدادات الدبلوماسية و المساعدة السياسية ما يسرع من الهجوم العلني للكيان الإسرائيلي اللقيط، فضلًا عن فكرة الشروط القاسية و فرض العقوبات الرسمية من الكيانات الحقوقية ، و المؤسسات الرسمية مثل الأمم المتحدة و هيومين رايتس ووتش و الاتحاد الأوربي ، و من المثير كذلك أن ذلك سيمنح مبررًا قويًا لوسائل الإعلام الغربية بحرية الرأي بجرأة أكبر و شجاعة أمنع ، فتلك سابقة تاريخية تستحق التأمل الملي بانتصار القضية الفلسطينية و الشعوب الحرة و الأبية التي دافعت عن قضية عادلة ، دافعًا أثمان باهظة و تضحيات كبيرة من تعليم مقطوع أو طرد من عمل أو سحل مهين و ضرب مبرح من الشرطة بطرق مريضة .
فعلي الناحية الشعبية في أوربا ، لم تجد الدول الأوربية من استمرارية طامحة حقًا و بإخلاص نادر المثيل فقط لمحاولة نجدة الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية في غزة و الاستطيان الماحي للضفة الغربية ، و حتى إن اعترفت تلك الدول بحل الدولتين الذي هو بالأساس حل مقتول من أيام ظهوره عقب أوسلو و خطبة الرئيس الراحل ياسر عرفات في الجزائر عام 1986 حينما خطب فيها خطبة عاصمة قوية تنبض بالمناداة بحل الدولتين المزعوم من دون فائدة عملية من جانب إدارتي كارتر و ريجان اليمينيتين المتطرفتين اللتين أسهما بشكل مباشر وواضح في نزع سلاح فتح و نقلها لحركة مدجنة تعمل فقط بالسياسي لا بالعسكري المقاوم كما أوصى المناضل الشهيد صلاح خلف في كتابه فلسطيني بلا هوية.
فرغم تلك الحركة المغيرة و التاريخية ، لا تزال لها بعض المشكلات الجوهرية الخاصة بالتاريخ و واقع الاعتراف الحقيقي الذي لم يحدد ماهية الدولة المزعومة و لا حدودها النهائية و لا المحددات الفاصلة معها ، فضلًا عن السيادة الخاصة للدولة المعترف بها ،و لا تندرج تلك الدولة إذن غير في الإطار النظري بلا أي إطار واضح أو عامل بحق ، من أجل تخطي الرمزية الجوفاء لتلك الخطوة الفارقة و المؤثرة ، بل إنها تعد استدراجًا نظريًا أو محاولة إرضاء براقة فقط للشعوب الأوربية و الشعب الأمريكي الذي دفع الكثير من التضحيات المكلفة و العواقب الوخيمة المكللة بالظلم الغاشم و الشجاعة النادرة في المواجهة .
ففي الوقت التي تعترف فيه الدول بالدولة المزعومة ، يريد الغزي فقط ثمن معقول لطعامه أو مستلزماته الأساسية بحق أو لقمة تسد رمقه لبعض الوقت ليس إلا ، و تضر أيضًا بالسعي الدؤوب و الحثيث ليس فقط للشعوب الغربية كافة بل لجميع الفلسطينيين الذين فاهموا أن الدولة الفلسطينية ليست إلا الدولة التاريخية التي سعت لها حركات المقاومة جميعًا عبر تاريخها الحافل و الممتلي باللحظة المنشودة لكل عربي و مسلم ألا و هي تحرير فلسطين كاملة من البحر للنهر .
الصك المفتوح لحرية الالتفاف :ما بين الخديعة الكبري و الاعتراف بحل الدولتين المختل .
في مقاله المعنون تحت عنوان مثير للانتباه ، يطرح الكاتب و الباحث الأمريكي ستيف كوك رؤية مناقضة لكل التحليلات المشرقة و الشعبوية المنتشرة تحت مسميات مثل الاعتراف التاريخي و السابقة التاريخية و مسألة محلولة عقب سنوات طويلة من التأخر و عدم الحل أو التصرف بجدية في إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية، ليصفع بقوة مؤكدًا أن حل الدولتين في هذا الوقت يعد بمثابة الضرر الجلل في خاصرة الفلسطينيين أو الأمريكان بالتحديد لإن ببساطة “اعتراف بلا معنى في وسط قوة إبادية “ضاربة بأحدث الأسلحة لهو نوع من الاختلال الدولي في أحسن تقدير .
فبمعنى آخر ، قام الاعتراف بالدولة المصطنعة بالإمضاء على صك اعتراف بحل مستحيل عمليًا ، و غير واقعي على المستوى السياسي ، و منفصل شعبيُا بالدرجة الأولى ، و كأن الغرب يود إعطاء تبرير زائف غرضه الأول غسيل السمعة السياسية ، و محاولة تأثير سياسية أكثر منها لرفع الجرح عنها ، أي بعبارة أخرى الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يمثل سوى حبر على ورق ، فضلًا عن افتقادها لمقوماتها و عمليات بنائها في الأساس منذ الاعتراف بالسلطة الفلسطينية عام ١٩٩٤م .
و ما يؤكد ذلك هو التوسع المحموم و الجموح الجنوني لتوسيع الاستطيان الصهيوني في الضفة الغربية ضمن خطة إجرامية متكاملة الأركان لتصفية الوجود الفلسطيني من الأساس ، و محاولة مستميتة من وزراء نتنياهو المتطرفين لمحاولة استغلال ٧ أكتوبر سياسيًا و عسكريًا بطريقة موصلة تهدف في المقام الأول لمحاولة إفناء أي محاولة يسيرة للدخول في مفاوضات مسهلة لحكومة غزة لمنع خطة e1 من الاكتمال ، و هذا ما يفسره الصحفي الإسرائيلي المتخصص في الاستطيان شرق القدس شلومش يانشر حينما أكد أن تلك الخطة هدفها محو فلسطين كاملة “بالتوسع الهائل و التقدم فيها ، و بجعل السلطة الفلسطينية مجرد فرع إداري عن الحكومة المتطرفة”، و هو ما كان يجب أن ينظر له.
و رغمًا عن ذلك ، فإن التاريخ الحديث و المعاصر يقف حائطًا منيعًا صلبًا ضد تلك الفكرة الضعيفة و ذلك لإن من اعترف لا يرسم الواقع ، و لا يقع على عاتقه التوابع الجسيمة ، وسط محاولات من الحكومة المتطرفة نفسها رسم خطتها على فلسطين التاريخية كلها ، لمحاولة تعويض الهزيمة المركبة المعقدة ، و خاصة بعد الاعتراف الأخير ليخرج نتنياهو و يقول من على المنبر الخاص بالجمعية العامة للأمم المتحدة بكل وقاحة “لن تقام دولة فلسطينية ” وسط غفلة معتمدة أو تغافل ساذج على أن التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني هدفه الدولة ، لكن دولة رسمها التاريخ الشفوي و خضبتها الدماء ، فقط من النكبة للطوفان العظيم، ما يطرح سؤالًا نقيضًا مفاده كيف وجهت ، و كيف سعى الشعب من الأساس بعدة مراحل متتابعة من أجل تحرير فلسطين للأبد .
تحرير فلسطين كاملة : الهدف الكامل من السعي الحثيث تجاه الدولة الفلسطينية .
في كتابه الصادر بشكله المثير للتساؤل تحت عنوان ” دولة واحدة أم دولتين ؟” ، يثير الكاتب و أستاذ التاريخ الحديث و المعاصر في جامعة تل أبيب شلومو زند التقاءًا تاريخيًا لافتًا و مثيرًا للاهتمام للغاية ، مسلطًا الضوء على إن الحركة الصهيونية ذاتها بناءها الكلي و مشروعها الشامل على فكرتين متناقضين مع بعضهما البعض ألا و هي وجود الدولة و طبيعتها المنسجمة مع الشعب ، مفتقدين هذا الأساس الذي دفع مؤلف الكتاب يستنج بكل جزم و ثقة أن ” مسألة الدولة الفلسطينية في عقل الصهيونية هي تطابق مسألة دولة الجيتو في القرن السابع عشر معها” ، ما يعني أنها دولة بلا ملامح واضحة أو سيادة كاملة أو حتى اقتصاد يكلل بالفشل تارة و النجاح تارة أخرى .
و كان لابد من إضفاء الصيغة المناسبة لوصف الشعب الفلسطيني ، فيستعير زند من عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوديو فكرة ” الأطياف الرمزية ” ليخبرنا أن الدولة الفلسطينية إسرائيليًا أو غربيًا ، هو يعتبر أن كليهما سواء ، ما هي إلا رمزية هدفها الأساسي منع النضال المركب و المسلح ، لعدم امتلاك الكيان الهجين سوى القوة الغاشمة و أدوات الفصل العنصري و توسيع الاستطيان في تقرير مصير “الدولة الفلسطينية ” المجهولة التي أطرتها اتفاقيات التطبيع من كامب ديفيد لوادي عربة لاتفاقيات أبراهام و أخيرًا مؤتمر نيويورك ، المسمار الأخير في فكرة حل الدولتين نهاية بعد فشلهم المدوي في محو فلسطين من الخطاب الإعلامي و السياسة و اختزالها في بعض الاتفاقيات الواهية !!
و لهذا ، لا سبيل غير بتحرير كامل للأراضي الفلسطينية التاريخية من البحر للنهر ، و التحرير سبق له تسميته بالإرهاب الفلسطيني عدد ميسر من المرات ، منذ النكبة في 1948 ، مرورًا بالنكسة و انتهاء بجزم لازم على إدانة المقاومة و الاحتلال ، مثل الظروف التي تمت فيها معاهدة إيفان في الجزائر ، معتبرة فرنسا حركة التحرر الجزائرية ” إرهابية أو مخربة ” حتى بعد توقيع المعاهدة معها في تعليب مهين يعكس مدى الاستحقار ، و الإهانة البالغة عنان السماء الممزوجة بعدم الاحترام القوي ، و هو ما أثبت في لحظة الاعتراف الفارقة التي لا تفرق عن كونها نافذة أخرى عن التجاهل للإبادة ، بحد تعبير دكتور مها نصار أستاذة التاريخ و السياسة الشرق أوسطية في جامعة أرزيونا الرمزية ” التاريخية ”
من الأشياء العملية التي يجب فعلها هو الاعتراف بوجوب الاحتلال و فرض العقوبات عليه بشكل هام للغاية ، بحيث تكثف العقوبات الدولية بكافة أشكالها العسكرية و الاستراتيجية الفورية مثلما فعلت أسبانيا على الأقل في منعها لعدة صفقات أسلحة رابحة و منعشة اقتصاديًا تترواح قيمتها بين 250 و 900مليون يورو فضلًا عن أيرالندا المعترفة بإرهابية إسرائيل باعتبارها دولة فضل عنصري ، و لا تعبر عن الدولة الأيرالندية في شيء لما لدى أيرالندا من مواقف صلبة و متماسكة و داعمة لكافة الأراضي الفلسطينية ، و ليس السلطوية الفلسطينية كما وصفتها دانا الكرد أستاذة السياسة و العلاقات الدولة في تعبير قوي عن ثبات التضامن بثبات الجذور الشعبية للمقاومة الاجتماعية الحية الناجمة بطبيعة الأمر عن أمر ثابت تاريخيًا يعكس أن محاولة التعايش بين المحتل و المستعمر مستحيلة و مجنونة لإن الأرض لا تسع هويتين متعارضتين بطبيعية الأمر غير أن التاريخ يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن المقاتلين للحرية هم المنتصرون دائمًا .
فعلى مدار 100 عام من النضال التاريخي ، و الأسطوري للشعب الذي بنى على أساسه مسنقبل المنطقة بأسرها ، وضع الشعب الفلسطيني هدفًا وحيدًا و ناهيًا لكل السعي و كل الأحداث في حرب ” المئة عام على فلسطين “بحد تعبير رشيد الخالدي أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا ، ليتكرر التاريخ بحديث عرفات بعد عقد أوسلو عام 1988 ، و لكن هذه المرة بوقاحة متمثلة في حديث عباس عن “إرهاب ” المقاومة و رغبته في نزع سلاحها ، غير مهتم البتة غير بالمعادلة الواضحة لصك أوسلو الحاكم ” اختزال فج ووظيفي لتحرر وهمي ” و لا ينبع غير من رغبة تلقي الرواتب السخية فحسب .