حكومة الـ12 ساعة تسقط قبل أن تبدأ.. وماكرون في مأزق جديد

في مشهد غير مسبوق في التاريخ السياسي الفرنسي، قدّم رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو استقالته صباح الاثنين، بعد مرور 12 ساعة فقط على إعلان تشكيل حكومته، لتسجَّل كأقصر حكومة في عمر الجمهورية الخامسة. وجاءت الاستقالة، التي أكّدتها صحيفة لوموند، لتكشف عمق الأزمة التي تعصف بقصر الإليزيه، حيث يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه مضطرًا للبحث عن رئيس وزراء خامس خلال عام واحد فقط، وسط أجواء من الانقسام السياسي، وتراجع الثقة الشعبية، واحتقان اقتصادي متزايد يهدد استقرار البلاد.
تشكيلة حكومية تثير العاصفة
ما إن كشف لوكورنو، وزير الدفاع السابق والبالغ من العمر 39 عامًا، عن أسماء حكومته مساء الأحد، حتى واجه موجة من الانتقادات اللاذعة. فالتشكيلة التي احتفظ فيها 11 وزيرًا بحقائبهم من الحكومة السابقة بدت تكرارًا باهتًا لسابقتها، مما فجّر غضب المعارضة وحتى حلفاء الحكم. واعتبرت صحيفة ليبراسيون أن الحكومة الجديدة لم تحقق القطيعة الموعودة، بل كرّست صورة الجمود السياسي، بينما نقلت بي إف إم تي في عن دوائر الإليزيه أن الرئيس قَبِل استقالة لوكورنو بعد اجتماع قصير صباح الاثنين، إدراكًا منه لاستحالة الاستمرار في ظل هذا الرفض الواسع.
انهيار التحالف الحاكم
تسارعت الانقسامات داخل المعسكر الرئاسي، حيث وجّه وزير الداخلية برونو ريتايو، وهو من أبرز حلفاء ماكرون، انتقادًا مباشرًا للتشكيلة الجديدة عبر منصة “إكس”، معتبرًا أنها “لا تعكس القطيعة المطلوبة”. تبعته تصريحات كزافييه برتران، رئيس منطقة أوت دو فرانس، الذي وصف الحكومة بأنها “مهزلة سياسية”، داعيًا إلى انسحاب الجمهوريين منها فورًا. وفي المقابل، لوّح الحزب الاشتراكي بسحب الثقة ما لم يُلغَ إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل قبل نهاية العام، بينما دعا حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى حلّ الجمعية الوطنية فورًا لإعادة الاستقرار السياسي المفقود.
المعارضة تطالب برحيل ماكرون
لم تتوقف الأزمة عند استقالة لوكورنو، بل تحولت إلى أزمة شرعية رئاسية. فقد طالب زعيم حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلنشون البرلمان بالنظر في اقتراح عزل الرئيس ماكرون، الذي وقّعه 104 نواب سابقين. كما صعّدت ماتيلد بانو، القيادية في الحزب، لهجتها قائلة في تغريدة على “إكس”: “العد التنازلي بدأ.. على ماكرون أن يرحل”. وحتى داخل اليمين، دعا ديفيد ليسنار، نائب رئيس حزب الجمهوريين وعمدة مدينة كان، الرئيس إلى الاستقالة حفاظًا على الجمهورية الخامسة، معتبرًا أن “مصلحة فرنسا تقتضي فتح صفحة جديدة”.
أزمة ثقة تبحث عن مخرج
تضع استقالة لوكورنو الرئيس الفرنسي في وضع بالغ الصعوبة، إذ بات مطالبًا بتعيين رئيس وزراء جديد في ظرف سياسي هشّ، وبرلمان منقسم لا يتيح لأي كتلة أغلبية حقيقية. وتُعد هذه المرة السابعة التي يبدّل فيها ماكرون رئيس حكومته منذ توليه الرئاسة، بعد سلسلة من الإطاحات البرلمانية التي بدأت مع ميشال بارنييه وفرانسوا بايرو. ويعزو مراقبون هذا الاضطراب إلى قرار ماكرون المثير للجدل بحل البرلمان الصيف الماضي، وهي خطوة أفرزت مشهدًا سياسيًا ممزقًا يصعّب من مهمة الحكم أو تمرير أي إصلاحات اقتصادية.
ضغوط اقتصادية تفاقم المأزق
تزامنت هذه الاضطرابات السياسية مع أزمة مالية خانقة. فبحسب لوموند، وصلت نسبة الدين العام الفرنسي إلى أكثر من ضعف الحد المسموح به أوروبيًا، لتصبح فرنسا ثالث أعلى دولة مديونة في الاتحاد بعد اليونان وإيطاليا. وتواجه الحكومة المقبلة تحديًا يتمثل في تمرير موازنة تقشفية لعام 2026 وسط رفض شعبي واسع. وكان لوكورنو قد وعد الأسبوع الماضي بإلغاء استخدام المادة 49.3 المثيرة للجدل، التي تسمح بتمرير الموازنة دون تصويت برلماني، في محاولة لاستعادة الثقة، لكن رحيله السريع أجهض هذا المسعى، تاركًا البلاد أمام فراغ سياسي واقتصادي غير مسبوق.