الصحة والتعليم

جيل بلا وظائف: كيف يسرق الذكاء الاصطناعي مستقبل الخريجين قبل أن يبدأ؟

كيف تغير التكنولوجيا الحديثة سوق العمل وتسرق أحلام الشباب؟

كان من المفترض أن تكون نهاية الجامعة لحظة بداية: انتقال من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل، من الأحلام إلى الواقع. لكن في عام 2025، يجد عشرات الآلاف من الخريجين أنفسهم في مواجهة واقع لم يتوقعه أحد: سوق وظائف مدمرة بفعل الذكاء الاصطناعي، ووعود دراسية باتت بلا مقابل. فحتى من اختاروا التخصصات “العملية” و”المطلوبة” مثل المحاسبة والمالية، يكتشفون الآن أنهم قضوا ثلاث سنوات في التدريب على وظائف لم تعد موجودة. في هذا المشهد، تبدو الجامعة وكأنها أصبحت معبرًا نحو اللاشيء، ومهارات البشر مجرد عبء يمكن استبداله بآلة تتقن كل شيء، بسرعة ودقة، وبدون أجر أو إجازات.

الذكاء الاصطناعي يفتك بالوظائف المبتدئة

شهدت السنوات الأخيرة اعتمادًا متزايدًا من الشركات الكبرى على تقنيات الذكاء الاصطناعي لأداء المهام التي كان يتولاها الخريجون الجدد. شركات المحاسبة العملاقة مثل Deloitte وEY خفّضت برامج التوظيف للخريجين بنسبة 18% و11% على التوالي. ووفقًا لبيانات من موقع “Adzuna”، انخفضت فرص التوظيف للمبتدئين في قطاعي المالية وتقنية المعلومات بأكثر من 50%، في مشهد غير مسبوق.

آمال محطمة ومقابلات مع الروبوتات

بدلاً من المقابلات البشرية، بات الخريجون يواجهون أنظمة تقييم آلية تقرر مصيرهم بناءً على خوارزميات، وليس على شخصية أو قدرات حقيقية. كثيرون يتحدثون عن مقابلات توظيف يُطلب منهم فيها التحدث إلى الكاميرا، بينما برنامج ذكاء اصطناعي يُقيّم تعبيرات وجوههم ونبرة صوتهم وحتى عواطفهم. إنها تجربة مرهقة نفسيًا ومحبطة في كثير من الأحيان، خاصة مع تكرار الرفض دون تفسير.

انهيار وهم “الدرجات العملية”

لطالما روّجت الحكومات والإعلام المحافظ لفكرة أن الشهادات “العملية” مثل المحاسبة والهندسة أفضل من التخصصات “النظرية” كالفلسفة أو الأدب. لكن ماذا تعني “القيمة العملية” لشهادة لا تؤدي إلى وظيفة؟ بل إن المفارقة المؤلمة أن التخصصات التي تم تقليصها وتمويلها مثل الدراسات الإنسانية، قد تكون هي الأقدر على تأهيل الطالب لعالم متغير، بفضل ما تمنحه من مهارات التفكير النقدي والتحليل.

التعليم الجامعي: استثمار لا يُجدي؟

في ظل غياب الوظائف، يبدو التعليم الجامعي كما لو كان استثمارًا طويل الأمد بعائد يقترب من الصفر. آلاف الطلاب قضوا سنوات في إعداد ملفاتهم الشخصية على لينكدإن، وتدريب أنفسهم على اختبارات التوظيف، والتخطيط لحياتهم المهنية، فقط ليجدوا أن تلك المسارات قد أغلقتها الآلات.

الفنون والإنسانية… الملاذ الأخير؟

حتى الآن، لا تزال المهن التي تعتمد على الإبداع الإنساني أو التفاعل البشري المباشر، مثل الطب والفن والتمثيل والتعليم، أكثر مقاومة لاجتياح الذكاء الاصطناعي. لكنها مقاومة مؤقتة، فمع تطور قدرات النماذج التوليدية، لم تعد الفنون بمأمن أيضًا، وقد تجد نفسها مهددة بموجة من الإنتاج الزائف الذي يُقلد الإبداع دون روح.

عبء إضافي في وقت صعب

الانتقال من الجامعة إلى الحياة العملية كان دائمًا محطة مقلقة. لكن في هذا الزمن، يصبح التوتر مضاعفًا. فالشاب البالغ من العمر 21 عامًا لا يواجه فقط مسؤوليات النضج، بل أيضًا خطر أن يتم استبداله بالكامل بنظام ذكي لم يدخل الجامعة أصلًا.

مستقبل يتغيّر كل عام

الفجوة تتسع عامًا بعد عام، وسوق العمل يتغير بوتيرة أسرع مما يمكن للطلاب استيعابه. ما كان موجودًا العام الماضي قد لا يكون له أثر العام المقبل. وبينما يطلب الكبار من هذا الجيل “احتضان الذكاء الاصطناعي” وتحقيق أقصى استفادة منه، يتساءل كثيرون: ماذا سنحتضن نحن بالضبط؟ عالم بلا عمل؟ مستقبل بلا يقين؟

خاتمة

نحن أمام لحظة حاسمة، ليس فقط في مسيرة الخريجين، بل في صياغة معنى التعليم والعمل والمستقبل الإنساني ذاته. إن كانت الآلات قادرة على أداء كل المهام، فما الدور الذي سيُترك لنا؟ سؤال يجب أن يُطرح الآن، قبل أن يصبح الجواب محسومًا: لا شيء.

اقرأ أيضاً 

عبير أحمد: كليات اختبارات القدرات مطلوبة في سوق العمل وضرورية لطلاب الثانوية

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى