شي جينبينغ والنظام العالمي الجديد: لماذا لم يصبح الاقتصاد العالمي تحت قيادة الصين بعد؟

رغم الصور البراقة للرئيس الصيني شي جينبينغ وهو يقود قادة القوى الصاعدة خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأسبوع الماضي، ورغم الخطاب المتكرر حول بزوغ “نظام عالمي جديد” بقيادة بكين، إلا أن الواقع الاقتصادي يُظهر صورة مختلفة تمامًا. فالتجارة العالمية لا تتحرك وفق إيقاع التحالفات السياسية، والأسواق لا تُدار بالشعارات، بل بموازين العرض والطلب، وهو ما يحدّ من قدرة الصين على أن تحل محل الولايات المتحدة في قيادة النظام التجاري والاقتصادي العالمي في المدى المنظور.
التجارة ليست مجرد تحالفات سياسية
رغم أن الدول قد تقترب استراتيجيًا بسبب عدو مشترك، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة إعادة توجيه مسارات التجارة. فالشركات لا تعيد هيكلة سلاسل التوريد فقط لأن الحكومات ترغب بذلك. ورغم وجود بعض التشظي الجيوسياسي، إلا أن الأسواق ما زالت تفرض منطقها؛ فالطلب هو من يحدد اتجاه الصادرات والواردات.
الرسوم الجمركية الأمريكية: مؤلمة لكنها ليست قاتلة
الرسوم التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب — مثل 50% على الصادرات الهندية و39% على السويسرية — أثارت غضب الحلفاء، لكنها لم توقف التدفقات التجارية. فالإعفاءات اللاحقة للذهب والأدوية السويسرية أو الإلكترونيات الهندية، أظهرت أن هذه الحواجز يمكن أن تُثقب بسهولة، مما يقلل من أثرها الكلي على اقتصادات مثل الهند أو إندونيسيا.
الهند بين واشنطن وبكين
رغم ضيق نيودلهي من سياسات ترامب الحمائية، فإن البديل ليس بالضرورة الالتحاق بمعسكر الصين. فالهند لا تستطيع ببساطة إعادة توجيه صادراتها من الإلكترونيات إلى بكين، وهي نفسها مصدر ضخم لتلك المنتجات. إعادة التموضع التجاري نحو أوروبا أو أسواق ناشئة أخرى قد يكون ممكنًا، لكن الاعتماد على الصين كقيادة اقتصادية بديلة يبقى أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
الصين: قوة صادرات بلا موثوقية استراتيجية
التحول الصيني المتجدد نحو النمو المعتمد على التصدير — خاصة في السيارات والتكنولوجيا الخضراء — يعزز من ثقلها التجاري. لكن ذلك لا يتطلب تحالفًا سياسيًا عالميًا، بل يُنظر إليه كمعادلة تجارية بحتة. في المقابل، يُنظر إلى الصين باعتبارها شريكًا غير موثوق، قادرًا على استخدام نفوذه الاقتصادي لابتزاز خصومه، كما فعل شي مع إدارة ترامب في اتفاق “المرحلة الأولى” التجاري.
روسيا: شريك استراتيجي لا اقتصادي
صحيح أن موسكو تُعَد شريكًا وثيقًا لبكين، لكن قيمتها الاقتصادية تظل محدودة مقارنة بثقلها العسكري. فالهند تشتري النفط الروسي لأنه الأرخص، لا لأنه خيار استراتيجي. حجم السوق الروسي لا يتجاوز عُشر الاتحاد الأوروبي، مما يجعل دوره في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي ثانويًا.
الدولار يظل بلا منافس حقيقي
محاولات الصين ودول أخرى تطوير أنظمة دفع بديلة عن الدولار لم تتجاوز حتى الآن مجرد خطوات تجريبية. فالعملة الأمريكية ما زالت تحتكر النظام المالي العالمي، وأي تهديد لها لا يأتي من بكين بقدر ما يأتي من السياسات غير المتوقعة لترامب نفسه إذا ما بالغ في استخدام الدولار كسلاح سياسي.
التهديد الحقيقي: ترامب وليس شي
التحليل يُظهر أن أكبر تهديد للهيمنة الاقتصادية الأمريكية ليس تقدّم الصين، بل السياسات العشوائية لترامب التي قد تُقصي واشنطن من النظام التجاري العالمي. ورغم ذلك، يبقى الطريق طويلًا قبل أن تتمكن أي قوة أخرى من ملء هذا الفراغ.
اقراء أيضاً:
إسبانيا تطالب الاتحاد الأوروبى بقطع كامل للعلاقات مع إسرائيل