علوم وتكنولوجيا

صراع أميركي صيني في أعماق المحيطات!

في الوقت الذي تملأ فيه أخبار الذكاء الاصطناعي وسباق الفضاء عناوين الصحف، تتجه الأنظار العسكرية والاستخباراتية إلى ساحة أكثر غموضًا وأقل تغطية إعلامية: أعماق المحيطات.

إنها جبهة الحرب التي لا تُرى، حيث تلعب الغواصات الهجومية والنووية دورًا متصاعدًا في موازين الردع، والسيطرة الاستراتيجية، والتأثير الجيوسياسي. فبينما تخوض القوى الكبرى سباقًا نحو السماء والفضاء، تحتدم معركة أخرى تحت سطح البحر.

الغواصات: من وسائل تنقّل إلى منصات نووية قاتلة

لم تعد الغواصات مجرد قطع بحرية متطورة للقيام بمهام المراقبة أو الدوريات. فقد تحوّلت خلال العقود الأخيرة إلى منصات عسكرية عالية الدقة والتدمير، قادرة على حمل صواريخ باليستية عابرة للقارات (ICBMs) ورؤوس نووية، بالإضافة إلى شن هجمات إلكترونية أو تجسسية.

القدرة على البقاء تحت الماء لأيام أو أسابيع، بل وحتى شهور، تعني أن هذه الآلات القاتلة يمكنها العمل في صمت مميت، دون أن تُرصد أو تُمنع، وهو ما يجعلها إحدى أكثر أدوات الردع فعالية في النزاعات المعاصرة.

الولايات المتحدة: أسطول بحري لا يُضاهى في الأعماق

تمتلك البحرية الأميركية ما يزيد عن 66 غواصة حربية نشطة، بينها:

14 غواصة نووية باليستية (SSBN) تشكّل أحد أركان “ثالوث الردع النووي”،

وأكثر من 50 غواصة هجوم نووي (SSN)، قادرة على تنفيذ عمليات استطلاع، وقصف دقيق، وتدمير غواصات العدو.

هذا الأسطول يعكس تفوقًا بحريًا نوعيًا للولايات المتحدة، حيث تستثمر واشنطن بشكل مستمر في تحديث تقنيات التخفي، أنظمة الدفع النووي، والتسليح بعيد المدى.

الصين: من بحرية محلية إلى قوة أعماق صاعدة

في عام 1996، كانت الصين تملك عددًا محدودًا من الغواصات، تفتقر إلى الكفاءة التكنولوجية والتنوع الاستراتيجي. أما اليوم، وبفضل استثمارات ضخمة في الصناعات الدفاعية، أصبحت بكين تمتلك أكثر من 70 غواصة، منها:

12 غواصة نووية (بين هجومية وباليستية)،

وأكثر من 60 غواصة ديزل وكهرباء تعمل في المياه الإقليمية والدولية.

هذه القفزة تضع الصين في موقع قوة بحرية قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية معقّدة، والوصول إلى مناطق النفوذ الأميركية التقليدية في المحيطين الهادئ والهندي.

لماذا يشكّل سباق الغواصات خطرًا عالميًا؟

السيطرة على أعماق المحيطات تعني عمليًا التحكم بخطوط الإمداد، والكابلات البحرية التي تنقل الإنترنت، ومسارات التجارة العالمية. لكن الأخطر هو أن الغواصات النووية قادرة على تنفيذ ضربات انتقامية في حال وقوع حرب نووية، حتى بعد تدمير القواعد الأرضية.

وهذا ما يجعلها عنصرًا بالغ الحساسية في أي صراع محتمل، خصوصًا في ظل التوترات القائمة بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، أو بين روسيا وحلف الناتو في القطب الشمالي.

السباق الصامت مستمر.. والتهديدات تزداد

في النهاية، تبقى الغواصات من أكثر الأنظمة العسكرية غموضًا وتأثيرًا. فبينما تحبس الأنفاس فوق الأرض بسبب الذكاء الاصطناعي والفضاء، هناك معركة أكثر خطورة تدور تحت سطح الماء، في صمت قاتل، وبتكلفة استراتيجية هائلة.

اقرأ أيضاً:

سقوط حكومة بايرو وتعيين لوكورنو يفضحان عمق الانقسام السياسي في فرنسا

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى