الوكالات

صربيا تستعرض أنظمة “كراسوخا” الروسية للحرب الإلكترونية: رسالة عسكرية تتجاوز حدود الاستعراض

في مشهد عسكري لافت تجاوز حدود الاستعراض التقليدي، فاجأت صربيا العواصم الغربية بإظهار أنظمة الحرب الإلكترونية الروسية “كراسوخا” خلال عرضها العسكري الأخير في بلغراد. هذه الأنظمة، المعروفة بقدرتها على شل قدرات الرصد والتشويش على الاتصالات والأقمار الصناعية، ظهرت علنًا للمرة الأولى داخل الترسانة الصربية، ما عكس عمق الروابط الدفاعية مع موسكو في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ غزو أوكرانيا. الخطوة لم تُقرأ فقط باعتبارها استعراضًا للقوة، بل رسالة استراتيجية قد تعيد تشكيل ميزان القوى في منطقة البلقان وتثير قلقًا متصاعدًا في الغرب.

 

ظهور علني غير مسبوق

 

العرض العسكري في بلغراد شكّل المرة الأولى التي يتم فيها الاعتراف رسميًا بوجود أنظمة “كراسوخا” داخل الجيش الصربي. قدمت السلطات نسختين: “كراسوخا-2″ بمدى يتراوح بين 400 و800 كيلومتر للتشويش على الرادارات، و”كراسوخا-4” الأحدث، القادرة على تعطيل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في نطاقات ترددية مختلفة مثل X وKu وKa. هذا الكشف العلني حمل دلالات تتجاوز مجرد إدخال تقنيات جديدة، بل أكد أن بلغراد مستعدة لإظهار استقلالها العسكري، رغم الضغوط الغربية المتزايدة.

 

أسرار تقنية وقدرات متطورة

 

رغم التكتم الروسي الدائم على التفاصيل الفنية الدقيقة، تعد أنظمة “كراسوخا” من أقوى أدوات الحرب الإلكترونية عالميًا. بفضل إشارات التشويش المكثفة، تستطيع تعطيل عمل الرادارات المحمولة جوًا، والطائرات المسيّرة، وحتى الأقمار الصناعية الاستطلاعية، ما يقلل بشكل كبير من قدرة الخصم على الرصد أو الاستهداف. إدخال هذه الأنظمة إلى الترسانة الصربية يفتح الباب أمام تحديث قدرات الدفاع الإلكتروني، ويجعل الجيش أكثر قدرة على مواجهة أي تهديد تقني محتمل، وهو ما يرفع من قيمة صربيا في معادلات الأمن الإقليمي.

الأنظمة الروسية “كراسوخا” تمنح صربيا قوة تشويش متقدمة تعزز دفاعها الإلكتروني وترفع مكانتها الأمنية إقليميًا.

توظيف استراتيجي في البلقان

 

في روسيا، تُستخدم أنظمة “كراسوخا” عادة ضمن ألوية مستقلة للحرب الإلكترونية، بهدف شل قدرات الاستطلاع والسيطرة لدى الخصوم. إدخالها إلى الجيش الصربي يمثل نقلة نوعية، إذ يمنح بلغراد قدرة إضافية على التحكم بالمجال الإلكتروني العسكري. هذا التطور قد يغيّر من طبيعة التوازنات الدفاعية في منطقة البلقان، ويمنح صربيا ورقة ضغط جديدة في محيطها الإقليمي، خاصة في ظل التوترات المتكررة مع دول الجوار وارتباطاتها المعقدة بحلف الناتو.

 

روابط متينة مع موسكو

 

إعلان صربيا عن هذه الصفقة في وقت تواجه فيه روسيا عزلة دولية مشددة بسبب حرب أوكرانيا، يبرز متانة العلاقات الدفاعية بين الجانبين. ورغم التحذيرات الغربية، لا تتردد بلغراد في توسيع تعاونها مع موسكو في مجالات حساسة مثل تقنيات الحرب الإلكترونية. هذه الخطوة تشير إلى رغبة صربية في الحفاظ على توازن استراتيجي بين الشرق والغرب، لكنها في الوقت ذاته تُظهر اعتمادًا متزايدًا على الدعم الروسي في تطوير قدراتها العسكرية.

 

قلق غربي ورسائل سياسية

 

ظهور أنظمة “كراسوخا” في بلغراد أثار قلقًا متزايدًا لدى العواصم الغربية. فالأمر لا يُنظر إليه كاستعراض للقوة فحسب، بل كرسالة سياسية واضحة بأن روسيا ما زالت قادرة على تصدير تقنياتها المتقدمة لحلفائها رغم العقوبات. كما أن صربيا تؤكد عبر هذه الخطوة استقلالها الاستراتيجي عن الغرب، في وقت تعيش فيه منطقة البلقان توترات تاريخية وأمنية متصاعدة، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل علاقتها بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

 

مستقبل الدمج داخل الجيش الصربي

 

يبقى السؤال الأهم هو كيفية دمج هذه الأنظمة الروسية المتقدمة داخل القوات المسلحة الصربية. فنجاح تشغيلها بكفاءة يعتمد على مستوى التدريب المحلي ومدى التعاون الفني المستمر مع الخبراء الروس. إدماج “كراسوخا” قد يمنح الجيش الصربي ميزة نوعية في إدارة الحرب الإلكترونية، لكن مجرد استعراضها علنًا يبعث برسالة قوية عن طبيعة التعاون العسكري بين بلغراد وموسكو، ورسالة أوضح بأن صربيا تسعى لفرض نفسها كفاعل إقليمي لا يمكن تجاهله.

اقرأ أيضاً

من «تيجاس» إلى «سudarshan Chakra».. شراكة دفاعية متصاعدة بين الهند وإسرائيل

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى