فنّ اليمين في إظهار جبهة موحّدة رغم الانقسامات

قبل أقل من ثلاثة أشهر، لوّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإمكانية ترحيل الملياردير إيلون ماسك، بعدما صرّح الأخير بأن ترامب لم يكن ليفوز بانتخابات 2024 لولاه، واتهمه بالتستّر على ملفات جيفري إبستين. لكن هذا الخلاف العلني بدا وكأنه لم يحدث أبداً عندما اجتمع الرجلان جنباً إلى جنب في أريزونا خلال مراسم تأبين الناشط اليميني تشارلي كيرك؛ فقد تبادلا الابتسامات والمصافحات، حتى أن ترامب ربت على ركبة ماسك كما لو كان أباً فخوراً.
ترامب علّق بعد المراسم قائلاً: «إيلون جاء وصافحني، كان ذلك لطيفاً». أما ماسك، فشارك صورة تجمعه بالرئيس مرفقة بتعليق مقتضب: «من أجل تشارلي».
تأبين يتحوّل إلى مهرجان سياسي
ما شهده ملعب ستيت فارم أمام حشد قُدّر بـ90 ألف شخص، وآخرين بلغ عددهم نحو 20 مليوناً عبر الشاشات، لم يكن تأبيناً تقليدياً بقدر ما كان عرضاً سياسياً ضخماً. استمر الحدث أكثر من خمس ساعات، تخللته أغانٍ جماعية، عروض استعراضية، وتصفيق حار لخطب بدت أقرب إلى خطابات انتخابية.
مستشار ترامب السابق ستيفن ميلر صرخ في الحشود: «لا يمكنهم أن يتصوروا الجيش الذي أيقظوه في داخلنا. أنتم لا شيء، أنتم حقد وحسد وشر»، لتتعالى الهتافات والتصفيق.
وحدة رغم التناقضات
اللافت أن التجمع جمع شخصيات يمينية تختلف بشدة حول قضايا عديدة: الحرب في أوكرانيا، إسرائيل، سياسات الرسوم الجمركية، وحتى حرية التعبير. بين الحضور كان تاكر كارلسون، الذي لم يتردد في انتقاد تدخلات ترامب الخارجية، والكاتب بن شابيرو الذي سخر من سياسات ترامب الاقتصادية، إضافة إلى لورا لومر التي وصفت كيرك في يوليو بأنه «محتال». ورغم كل هذه الانقسامات، بدا المشهد وكأنه لوحة متكاملة من الانسجام السياسي.
هذا القدرة على التوحد عند الحاجة هي، بحسب المقال، السر وراء فوز ترامب بولاية ثانية، وقد تكون أيضاً العامل الحاسم في فوز نائبه جي دي فانس في انتخابات 2028 إذا فشل الديمقراطيون في لمّ صفوفهم.
أرقام تكشف الفارق
استطلاع رأي أُجري بعد مقتل كيرك أظهر أن 47% من الأمريكيين يرون الجمهوريين أكثر وحدة، بينما لا يرى سوى 25% أن الديمقراطيين كذلك. حتى داخل الحزب الديمقراطي، لم يعتبر سوى 44% أن حزبهم متماسك، مقابل 67% من الجمهوريين الذين وصفوا صفوفهم بالموحّدة. كما أشار استطلاع سابق هذا العام إلى أن أغلبية الجمهوريين باتت تُعرّف نفسها لأول مرة كجزء من حركة «ماغا».
مفارقة مع اليسار
المقال يقارن أيضاً بين طريقة اليمين في التعامل مع الخلافات وبين ما يحدث في المعسكر الليبرالي. فبينما نادراً ما تجد على منصة «إكس» هجوماً جمهورياً على قنوات يمينية أو شخصيات مثل كارلسون، يغصّ فضاء «بلو سكاي» المفضل لدى الليبراليين بانتقادات لاذعة ليس فقط للخصوم، بل أيضاً لأصوات من داخل الصف الديمقراطي نفسه مثل الكاتب ماثيو يجلسياس.
ويرى المقال أن ما يُعرف بـ«ثقافة الإلغاء» لم تكن في الأساس لمهاجمة الخصوم، بل لمعاقبة المخالفين داخل الدائرة نفسها. لكن الإفراط في هذه الممارسة يؤدي إلى استنزاف الصفوف من الداخل.
الدرس المستفاد
يخلص الكاتب إلى أن ترامب، ماسك، وبقية رموز اليمين يدركون أهمية التماسك. قد لا يتفقون على كل التفاصيل، لكنهم يعرفون متى يجب أن يظهروا في صف واحد. في المقابل، اليسار ما زال غارقاً في الانقسامات الداخلية. والنتيجة: إن لم يجد الديمقراطيون وسيلة لبناء وحدة ولو نسبية، فإنهم يتركون الطريق مفتوحاً أمام الجمهوريين لتعزيز قوتهم الانتخابية في السنوات المقبلة.