الوكالات

ترامب وهجومه على حرية التعبير: انقسام في صفوف اليمين الأمريكي

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملف حرية التعبير إلى واجهة المشهد السياسي الأمريكي بطريقة مثيرة للجدل. فبعد أقل من أسبوعين على مقتل الناشط المحافظ تشارلي كيرك، أطلق ترامب حملة واسعة ووصفت بأنها الأعنف ضد الإعلام والمعارضين. من تعليق برنامج المذيع جيمي كيميل مؤقتًا بسبب تصريحاته عن مطلق النار، إلى تهديد شبكات التلفزيون بفقدان تراخيصها، وصولًا إلى تصنيف حركة “أنتيفا” منظمة إرهابية، بدا أن ساكن البيت الأبيض يسعى إلى تحويل المأساة إلى ورقة سياسية. وبينما رفع شعار حماية الحريات في بداية ولايته الثانية، تحولت وعوده سريعًا إلى إجراءات وصفت بأنها أخطر اعتداء على التعديل الأول منذ عقود.

الناشط المحافظ تشارلي كيرك
المذيع جيمي كيميل

تناقض بين الوعود والممارسات

 

في يومه الأول من الولاية الثانية، وقّع ترامب الأمر التنفيذي 14149، مؤكدًا عزمه على حماية حرية التعبير ومنع الرقابة الفيدرالية على المواطنين. لكن هذه الوعود سرعان ما تبددت، إذ قوبلت تحركاته الأخيرة بانتقادات واسعة لكونها تناقضًا صارخًا مع ما تعهد به. فبدلًا من حماية الحقوق، وجد الأمريكيون أنفسهم أمام حملة سلطوية تستهدف المعارضين، وتلوّح بالعقوبات ضد وسائل الإعلام. وبالنسبة لمراقبين، فإن هذا الانحراف عن الخطاب الرسمي مثّل نقطة تحول في مسار العلاقة بين السلطة والصحافة، ما أثار جدلًا حول مدى التزام الرئيس فعليًا بمبادئ الدستور.

وعود ترامب بحماية حرية التعبير تحولت سريعًا إلى إجراءات سلطوية تناقض الدستور

أصوات معارضة من قلب اليمين

 

لم يقتصر الانتقاد على خصوم ترامب السياسيين، بل امتد إلى شخصيات بارزة داخل التيار المحافظ نفسه. فقد حذّر توماس بيري من معهد كاتو من خطورة استخدام الحكومة قوتها لقمع الخطاب الحر، معتبرًا ذلك تهديدًا مباشرًا للتعديل الأول. أما مات ويلتش ويوجين فولوك، فاعتبرا أن ترامب مدفوع بما وصفاه بـ”غيرة الرقابة”، إذ يسعى لمعاقبة خصومه لأنه يرى أن آخرين سبقوه إلى الأمر ذاته. بل إن شخصيات جمهورية مثل السيناتور تيد كروز والإعلامي توكر كارلسون أبدت قلقها من أن هذه السياسات قد تأتي بنتائج عكسية وتضع المحافظين في موقف الخاسر مستقبلاً.

 

ضغوط على المؤسسات الإعلامية

 

إلى جانب الحكومة، لعبت الشركات الخاصة دورًا محوريًا في الأزمة. فقد خضعت مؤسسات كبرى مثل Disney وABC سريعًا للضغوط السياسية، وأوقفت بعض البرامج الإعلامية خشية العقوبات المحتملة. هذه الاستجابة دفعت توماس بيري للتحذير من حالة “تثبيط الخطاب”، حيث لم تعد هناك حاجة لقرارات قضائية لفرض الرقابة، بل يكفي الخوف من السلطة. ويشير محللون إلى أن هذا النوع من الرقابة الذاتية يعد أكثر خطورة على حرية التعبير، لأنه يخلق بيئة يفضل فيها الإعلاميون الصمت على المخاطرة، مما يقوض جوهر الديمقراطية الأمريكية القائم على النقاش المفتوح.

الضغوط السياسية دفعت الإعلام لرقابة ذاتية تهدد حرية التعبير.

المقاومة الثقافية والقانونية

 

رغم قتامة المشهد، يرى خبراء أن النظام القضائي الأمريكي والتعديل الأول ما زالا يشكلان خط الدفاع الأساسي في مواجهة النزعة السلطوية. كما أن الثقافة الشعبية الأمريكية، بتراثها النقدي والساخر، تبرز كسلاح مضاد لمحاولات تقييد الكلام. فقد استشهد مات ويلتش بأمثلة مثل “South Park”، التي تعكس قدرة السخرية والتهكم على تحجيم أي محاولة لفرض الاستبداد الثقافي. ويؤكد أن هذه الروح النقدية جزء أصيل من الهوية الأمريكية، ما يجعل من الصعب على أي سلطة أن تنجح في السيطرة الكاملة على الخطاب العام، حتى وإن بدت خطواتها في البداية قوية وسريعة.

 

انقسام يكشف أزمة أعمق

 

الأحداث الأخيرة تكشف عن أزمة تتجاوز مجرد جدل حول الإعلام؛ إنها صراع حول جوهر الديمقراطية الأمريكية. فبينما يحاول ترامب فرض رؤيته بالقوة، يواجه مقاومة من قوى سياسية وثقافية ترى أن حرية التعبير هي الأساس الذي لا يمكن المساس به. هذا الصراع يعكس الانقسامات داخل اليمين الأمريكي ذاته، ويعيد النقاش حول حدود السلطة وحقوق الأفراد إلى قلب الحياة السياسية. وفي النهاية، يبدو أن معركة حرية التعبير لم تعد مجرد شعار دستوري، بل صارت ساحة اختبار حقيقية لمستقبل التوازن بين السلطة والمجتمع في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً

قيادة سلاح الجو الأمريكي أمام انتقال تاريخي بلا فراغ 

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى