الوكالات

ترامب بين شعار “العدالة” وحقيقة “الانتقام”

في ولايته الثانية، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترديد خطاب يقوم على فكرة أن خطواته القضائية تجاه خصومه السياسيين تهدف إلى ترسيخ العدالة، لا تصفية الحسابات. إلا أن الوقائع التي ترافق تصريحاته تكشف عن مسار مختلف، حيث يبدو أن نزعة الانتقام تشكل محورًا في استراتيجيته السياسية والقضائية. أبرز مثال على ذلك هو قضية المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، التي تحولت إلى معركة رمزية، تحمل أبعادًا شخصية مرتبطة بماضي ترامب السياسي، وبالتحقيقات حول تدخل روسيا في انتخابات 2016، ما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا وخطورة.

 

قضية كومي: اختبار للعدالة

 

تعود جذور المواجهة بين ترامب وكومي إلى تحقيقات 2016 بشأن علاقة حملته بروسيا، ما جعله عدوًا دائمًا للرئيس. وقد وُجّهت إلى كومي تهم “الإدلاء ببيان كاذب” و”عرقلة جلسة للكونغرس” مرتبطة بشهادته عام 2020. المثير أن القرار جاء بعد أن استبدل ترامب المدعي العام الرافض لهذه الخطوة بمحاميه الشخصي السابق، ما منح القضية طابعًا شخصيًا وسياسيًا بامتياز. هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعًا داخل الأوساط القانونية، إذ رأت فيها المعارضة إشارة واضحة إلى تسييس القضاء.

 

وزارة العدل تحت الضغط

 

لطالما التزمت وزارة العدل الأمريكية على مدى أربعة عقود بمبدأ الاستقلال عن الصراعات الحزبية، منذ فضيحة “ووترغيت”. لكن تحت إدارة ترامب الحالية، يرى خبراء مثل ستيسي يونغ، التي شغلت مناصب سابقة بالوزارة، أن الرئيس “داس على الأعراف الدستورية والمؤسسية بشكل صارخ”. استخدام صلاحيات الوزارة لملاحقة الخصوم يثير أسئلة جوهرية حول مستقبل استقلال القضاء الأمريكي والفصل بين السلطات. هذا التوجه، إذا استمر، قد يفتح الباب أمام سوابق خطيرة تهدد القيم الديمقراطية الراسخة منذ عقود.

 

قائمة الخصوم تتوسع

 

لم يتوقف ترامب عند كومي، بل وسّع دائرة المستهدفين لتشمل شخصيات بارزة مثل عضو الكونغرس الديمقراطي آدم شيف، والمدعية العامة لنيويورك ليتيتيا جيمس، ومدعية جورجيا فاني ويليس التي وجهت له اتهامات بالتدخل في الانتخابات. كما هاجم منظمات مدنية مرتبطة بالملياردير الديمقراطي جورج سوروس. وفي منشور على وسائل التواصل، أعرب عن استيائه من بطء التحقيقات ضد هؤلاء، مؤكدًا أن خصومه “لن يفلتوا من العقاب”. هذه التصريحات تعكس رغبة واضحة في تحويل الخلافات السياسية إلى ملاحقات قانونية واسعة.

 

بين التبرير والانتقادات

 

يبرر ترامب تحركاته باعتبارها ردًا على ما وصفه بـ”الحرب” التي شنها الديمقراطيون ضده عبر سنوات من التحقيقات والمحاكمات. بينما يرى حلفاؤه، مثل نيوت غينغريتش، أن ما يقوم به الرئيس ليس سوى “رد بالمثل” على خصوم مارسوا ضده الأسلوب ذاته. في المقابل، تؤكد جماعات حقوقية وخبراء قانون أن هذه الممارسات تمثل انتكاسة خطيرة لمبادئ الديمقراطية الأمريكية، وتحوّل العدالة إلى أداة سياسية، الأمر الذي يهدد بزعزعة الثقة في المؤسسات الدستورية.

 

أبعاد سياسية وتاريخية

 

لم يكن طريق ترامب مفروشًا بالورود منذ ولايته الأولى، حيث واجه محاكمتي عزل، واتُّهم بمحاولات تقويض الانتخابات، إضافة إلى قضايا وثائق سرية. لكنه تمكن من النجاة سياسيًا وقانونيًا. اليوم، وقد عاد إلى البيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة، تبدو استراتيجيته قائمة على تحويل الغضب الشخصي إلى سياسة دولة، وهو ما قد يعيد رسم ملامح العدالة الأمريكية. ويحذر المراقبون من أن استمرار هذا النهج سيخلق سابقة تهدد استقلال مؤسسات إنفاذ القانون لعقود طويلة.

 

اختبار مصيري للعدالة الأمريكية

 

بينما يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التأكيد أن خطواته تستند إلى “استعادة النزاهة”، فإن الواقع يعكس توجهًا مختلفًا، حيث يطغى الدافع الانتقامي على ممارساته. هذا التناقض بين الخطاب المعلن والقرارات التنفيذية يضع الولايات المتحدة أمام اختبار تاريخي يتعلق بمستقبل الفصل بين السلطات واستقلال القضاء. وبقدر ما قد تمنح هذه السياسات الرئيس دعمًا من أنصاره، فإنها تضع الديمقراطية الأمريكية على مفترق طرق حساس، سيحدد إن كانت المؤسسات قادرة على الصمود أم ستتآكل تحت ضغط السياسة.

اقرأ أيضاً

ترامب وهجومه على حرية التعبير: انقسام في صفوف اليمين الأمريكي

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى