تقارير التسلح

فرنسا تبحث عن اتفاق “متوازن” بشأن مقاتلات المستقبل

أكدت فرنسا التزامها بالتوصل هذا العام إلى اتفاق “متوازن ومقبول” مع كلٍّ من ألمانيا وإسبانيا بشأن مستقبل برنامج المقاتلة الأوروبية الجديدة، المعروفة باسم “النظام القتالي الجوي المستقبلي” SCAF. ورغم الطموحات الكبيرة، لا يزال المشروع يواجه عقبات بسبب خلافات بين الشركات الصناعية المشاركة، ما يعكس صعوبة التوافق على توزيع الأدوار والمسؤوليات. وتأتي هذه المساعي في وقت يزداد فيه السباق العالمي لتطوير مقاتلات الجيل السادس، التي يُتوقع أن تدخل الخدمة بحلول عام 2040، لتشكل ركيزة أساسية في الحفاظ على التفوق التكنولوجي والعسكري الأوروبي أمام التحديات الدولية المتسارعة.

 

المرحلة الثانية تحت المجهر

 

ذكرت وزارة الجيوش الفرنسية أن باريس، برلين ومدريد “معبأون بالكامل” للإعداد للمرحلة الثانية من البرنامج، التي تشمل بناء نموذج تجريبي للطائرة المقاتلة. وتطمح فرنسا إلى إعادة صياغة التعاون الثلاثي عبر تعزيز القيادة الصناعية، بما يضمن الالتزام بجدول دخول الطائرة للخدمة بحلول 2040. وتظل شركة “داسو للطيران” طرفًا رئيسيًا في هذا المسار، لكنها أبدت امتعاضًا متكررًا من خلافات مع “إيرباص” حول تقاسم المهام، وهو ما تسبب في تأخيرات وهدد بانقسامات مشابهة لتجارب سابقة.

 

تصريحات متباينة بين الشركاء

 

أوضحت وزارة الدفاع الفرنسية أن الدول الثلاث مصممة على إنجاح البرنامج خلال هذا العقد، مؤكدة أن الحل يجب أن يُتوصل إليه قبل نهاية 2025. في المقابل، شدد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على ضرورة احترام خطط تقاسم العمل المتفق عليها مسبقًا، بينما لمح المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى أن الوضع الحالي “غير قابل للاستمرار”. وبينما تضغط “داسو” للحصول على حصة أكبر، يصر شركاؤها الألمان والإسبان على التوازن، ما يعكس تنافسًا خفيًا على القيادة داخل المشروع.

 

إرث الانقسامات الأوروبية

 

تُعيد أزمة SCAF إلى الأذهان إخفاقات ثمانينيات القرن الماضي حين انسحبت فرنسا من مشروع المقاتلة الأوروبية المشتركة بسبب خلافات مشابهة، لتطور “رافال” منفردة، بينما اتجهت ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا إلى “يوروفايتر تايفون”. اليوم، ومع اكتمال المرحلة الأولى المتمثلة في توقيع عقود تطوير التكنولوجيا، تسابق الدول الثلاث الزمن لاتخاذ قرار حاسم بنهاية 2025. ورغم الضغوط، ترى باريس أن المشروع يمثل فرصة تاريخية لبناء استقلالية عسكرية أوروبية في مواجهة القوى العالمية.

 

خيارات بديلة على الطاولة

 

كشفت تقارير إعلامية أن وزارة الدفاع الألمانية تدرس مع “إيرباص” سيناريوهات بديلة، بينها تعزيز التعاون مع السويد أو المملكة المتحدة، أو حتى المضي منفردة مع إسبانيا بعيدًا عن فرنسا. وفي المقابل، يعمل البريطانيون مع إيطاليا واليابان على برنامج “المقاتلة العالمية” لتطوير طائرة جيل سادس، فيما تفكر السويد بخطتها الخاصة. وعلى غرار الولايات المتحدة، تُصمم هذه البرامج وفق مفهوم “نظام الأنظمة”، حيث تكون الطائرة المأهولة في المركز، مدعومة بطائرات مسيّرة، وذكاء اصطناعي يربط الكل عبر شبكة قتال سحابية.

 

مستقبل مفتوح على كل الاحتمالات

 

مع احتدام المنافسة الدولية وتباين الرؤى داخل أوروبا، يبقى نجاح مشروع SCAF مرهونًا بقدرة باريس وبرلين ومدريد على تجاوز الحسابات الضيقة. فإما أن يشكّل البرنامج خطوة حقيقية نحو سيادة عسكرية أوروبية، أو يعيد إنتاج الانقسامات القديمة التي دفعت إلى مسارات متوازية. وبين التفاؤل الفرنسي والتحفظ الألماني والتمسك الإسباني بالتوازن، يبدو أن عام 2025 سيكون لحظة اختبار مصيرية لمستقبل المقاتلة الأوروبية الجديدة.

اقرأ أيضاً

أول مقاتلة F-47 ترى النور… والرحلة الأولى في 2028

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى