عرب وعالم

جيتا : إعادة تسويق لفكرة الانتداب البريطاني بوجه جديد نيولبيرالي .

 

بشكل أقرب للتهديد الاستباقي ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة شيطانية هي أقرب لتفكيك المقاومة و تصفيتها للأبد مكونة من 20 نقطة صريحة تقتضي أمنيًا و سياسيًا و عسكريًا ، لكن الفريق المتولي معه المهام في الهيئة الدولية المؤقتة لإدارة غزة ، أو المعروفة اختصارًا باسم جيتا لتتولى بعدها مهمة إدارة القطاع المحاصر تحت الوصاية الدولية تحت إشرافه الشخصي ما يعني أن أراد حكم غزة من الأساس ، مع فرقة من مجرمي الحرب و تجارها معدومي الأخلاق و المسؤولية القيمية التي لم تمنعهم من إيقاف أكبر و أقسى إبادة جماعية في التاريخ المعاصر ، بل عملوا على تحويل غزة لمشروع رابح .

و المثير في الأمر لجوء الرئيس ترامب للشخصيات المتصهينة فكرًا و المتأخذة لإجراءات سياسية متطرفة و متطرفة هدفها فقط توسيع الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة ، بدءً من الاتفاقيات الإبراهيمية التي سيقت بموجبها 3دول عربية بما فيها المغرب و البحرين و الإمارات متجاهلًا أي جهة  فلسطينية أو حتى محايدة كما يفترض ، مما يعني أن الخطة الموجودة بالأساس بتلك الهيئة ” انعكاس ضروري و  رؤية صلبة عن الدعم الأمريكي الأساسي الذي يسرع من استمرار الإبادة الجماعية و تصاعدها المتضخم بحق الفلسطينيين العزل ، و هذه خطة أساسًا في شقها الأمني و التنسيقي كارثة محققة تنذر بانفجارات متعددة .

و لم تتوقف الكوارث الخاصة بجيتا حتى هنا ، لكنها تمددت لتشتمل شق إعادة الإعمار على نفس طريقة رأسمالية الكوارث التي طبقتها الشركات الكبرى ، والذي أكدها أستاذ الجغرافيا و علم الاجتماع و الانثربولوجيا الجغرافية في دراسة نشرتها جامعة هارفارد عام 2012 ا تحت عنوان ” إعادة الإعمار عبر الكوارث : الشركات ذراع لعقيدة الأزمات ” ، مؤكدًا فيها أن حالتي غزة حدثت بالفعل في تشيلي و تاينلاند في عامي 2010 و 2015 عندما جرفت الفيضانات الهادرة و العظيمة البيوت البسيطة من الطوب و القش لتهجر أهلها فيما بعد تحت إدارة الشركات الكبرى ، ليجد السكان أنفسهم مهجرين أو مشردين بلا مأوى .

استمرارًا على تلك السياسة الجائرة ، اختر ترامب مجموعة من المليارديرات الفاسدة ، و كذلك السياسين أصحاب السير المشبوهة و تجار الحروب الذين يقتدون على فتات الناس و حياتهم فيسرقوهم و يقومون ببناء لهم مشاريع فارهة فارغة من المضمون ، غرضه فقط تحقيق الأرباح على جثث الأبرياء و أرواحهم البريئة حتى فقط يحقق بالإنسان الذي يتحول فقط إما لعادة أو أداة أو عبد مطيع ، أي بعبارة أخرى تحويل الشخص لمنتج و منتج رخيص الثمن كذلك ، إكمالًا على بقية النهج النيولبيرالي في الهيئة اللعينة ، مع بالطبع التوجه المستمر الذي ينتج الشراكة القوية و الارتباط الوثيق للحلفاء من رجال الأعمال أو الشركات الكبرى و المنتفعين منهم .

و في هذا الإطار المعياري ، من الممكن تحديد أسباب تصميم جيتا بصفتها هيئة نيولبيرالية وحشية تهدف بالأساس ، كما صممت من قبيل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق  و جارد كوشنر صهر الرئيس ترامب ، مع نخبة رأسمالية و سياسية قميئة على رأسهم مارك روان  و آرييه لانستيون و نجيب ساوريرس و فيليب رايلي و ليزمان تاكمان و مايكل آيزنبرج و ياتوم هوكومون  مؤسسي المؤسسة المصنعة و المهندسة لكمائن الموت ” غزة الإنسانية ” التي قتلت حتى الآن أكثر من 4500 فلسطيني ، مع امتلاء تاريخهم بالسجلات الإجرامية و المصفاة و القاتلة للشعوب المرمية و التحويل لمجرد استمرار و إكمال شائع للإجرام المتجسد مكتمل الأركان في غزة  .

مجرمي جيتا …حينما تتحول غزة لسجن عصري !!

في شهر أبريل الماضي ، قابل توني بلير مع ضابط و عميل المخابرات السابق فيل رايلي ليتناقشا لمدة ساعة و نصف حيال طريقة غزة في توزيع المساعدات الإنسانية ، و دوره الاحتكاكي المساعد مستقبلًا في إدارة غزة ، فلجأ لمركزه البحثي ليصمم له خطة حربية متماشية مع آلية توزيع إنسانية ، بناءً على تخفيف الضغط الدولي على الكيان الإسرائيلي ، و من هنا دخلت شركة الاستشارات الاستثمارية بوسطن كولسندوزس لتتعامل مع حقيقة الخطة المرادة للتعامل مع المجاعة الحالية في غزة ، و لكن جاء الدعم من رجل الأعمال الإسرائيلي ليزمان تاكمان الذي سجل مؤسسة غزة لحقوق الإنسان التي تحولت فيما بعد لمؤسسة غزة الإنسانية في منتصف مايو بعقد تسجيل شركة في ولاية أوهايو الأمريكية.

فبعد تلك التسجيلات التجارية ، جرى نشأة مؤسسة غزة الإنسانية الحقيقة في غزة في يونيو الماضي أي بعد شهر فقط من مقابلة رايلي لتاكمان ، و لعل هذه السرعة الملحوظة و التفاني في العمل أقدم على تعيين رايلي مسؤول العلاقات الأمنية في المؤسسة المشوهة و المشبوهة التي أسست نظامًا نازيًا للتوزيع الغذائي في غزة عبر عمودين أساسين يستندا على التخلي عن المنظمات الدولية الإغاثية ، و الإنسانية أو الخضوع لهم بداخل المنظومة القاتلة و القهرية المسؤولة بالقدر الأول عن التمهيد للخطة الترامبية القائمة على استمرار احتكار التوزيع الإغاثي للمساعدات الإنسانية.

أما دور توني بلير و نجيب سارويرس ، فالعلاقة بينهما قديمة و ممتدة منذ تولية الأول حكم العراق مع جورج بوش الابن حتى أوكله بإنشاء شركة عراقنا للهواتف و الشبكات التي اتهمت بالتجسس على العراقيين آنذاك، لتكمل العلاقة معه عبر حضوره مناسبات اجتماعية مثل زفاف ابنه ، و ركوب الطائرة الخاصة به في ٢٠١٥ ، بل حضوره لرحلات بحرية معه مثل الذي حضرها في سان تورييه في ٢٠١٤ ، غير توسط بلير لسارويس في عدة بلاد لتسهيل بناء مشروعاته مثل ساحل العاج و كازاخستان في عامي ٢٠١٧ و ٢٠١٨ حسبما ذكرتا صحفتي سانداي تايمز ، و كذلك أفريكين انتجلنس ، غير ارتباطه و علاقاته الواسعة بالمخابرات الأمريكية الذي سهلت له التنقيب عن الذهب و المعادن عنها في أفغانستان من ٢٠٠١ لمدة ٢٠ عامًا حتى ٢٠٢١ وقت رحيل القوات الأمريكية .

فتوني بلير أيضًا كاره كبير للمسلمين ، و حول الكره لإجراءات عملية كان لها عظيم الأثر على مختلف الجوانب العسكرية و السياسية على العراقيين، الرامية لتفككه طائفيًا و تشرذمه لما يشبه لبنان في نظام الحكم القائم بالأساس على نظام المحصصة الطائفية فيها ، غير إنشائه منظمة tba المشرفة بحثيًا على هيكلية خطة ترامب الأخيرة مدة ٤ شهور كاملة بالتنسيق مع بوسطن كولسندزوس ، و كذلك رجال الأعمال المتوالين لزمام أمور غزة مثل مارك روان الذي يمسك إدارة مجلس إدارة يهود نيويورك و الضاغط على الجامعات الأمريكية بوسائل حقيرة و مادية مثل سحب الدعم المالي السخي المقدر بحوالي 50 مليون دولار سنويًا .

و هناك شخصيات أخرى لها دور بارز في إدارة المشهد العبثي في إدارة غزة ،كما يفترض حدوثه ، المخطط لها تقديم رؤية بديلة أو طوق نجاة لإسرائيل بمنتهى الحزم و الحسم ، و تحديدًا باختيار أرييه لانسيتنون الشاغل لدور رئيس ديوان مايك هاكابي السفير الأمريكي في الكيان المحتل ، و المشرف المصمم لاتفاقات أبراهام التي طبعت فيها 3 دول عربية ، و المعتبر أن السلام الأمريكي للشرق الأوسط يتعدى التحزبات السياسية الأمرىكية  ما يعطي احتمالية التماثل المتطابق مع سياسة الانتداب البريطاني في تحويلها لسجن مفتوح محتكم و محكم يخنق الغزيين و يضعها تحت احتلال دولي جديد .

الانتداب الجديد : الإدارة الحديدية الخشنة في رجوع الحكم الخارجي لغزة .

في مقاله المعنون خطة بلير كوشنر كارثة بجميع المقاييس ، يجمع الموظف السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي في العراق جوش بول الأسباب المجملة لتوضيح جلي و تفسير هام  يرتكن للبعد الخارجي ، الرامي لأهداف تنظيمية أو تنسقية مع تحكم كامل للنخبة الاستعمارية و تمويلها تحت مسمى “مجلس السلام الدولي “بتدليس واضح بشكل ينم عن مبدأ أصيل يرجع لأيام الانتداب البريطاني منذ 1920 .

و في المقابل ، تولت الحكومة البريطانية حكم فلسطين استعماريًا و أمنيًا مدة 26 عام مهيئة الأرض للعصابات الصهيونية بحق ، عبر التمهيد البطيء و التدرج الممهد للأمور لكن من دون قرارات مجحفة و سريعة من شأنها فقط تصفية القضية الفلسطينية بشكل أكبر من التخيل و مفرغ لها من جذورها التي افتعلتها بريطانيا من الأساس السياسي قبيل 105 سنة ، فضلًا عن كونه مثيرًا للسخرية و التهكم.

و بهذا النمط ، تختلف الأنماط السياسية و الاجتماعية للانتدابين البريطاني و الأمريكي الترامبي الجديد بحيث يتشد الثاني في إمكانية التحكم و نطاقات السيطرة المتينة من العمل للتعليم المؤسس للشخصية و الهوية اليومية المتفاعلة مع العدو و المتشابكة معه  ، حتى مع القرارين الأممين الصادرين 1936 و 1948 المقرين بالتقسيم المشؤوم و الاحتلال الرسمي و قيام الدولة ” الإرهابية ” بحد تعبير أستاذ علم الاجتماع السياسي رونالد روجان في كتابه ” الامبراطوية و وعد بلفور و الانتداب : الصراع العربي الإسرائيلي ” .

و هكذا ، من منظور أكاديمي بحت ، فتلك الإدارة الجديدة في الخطة المغلقة  من الولايات المتحدة تمسك زمام القطاع المحاصر ، و المدمر تمامًا بمناسبة حرب ضروس عليه لمدة سنتين حولتها لسبرنسيتا الثانية من حيث التدمير التام و الخراب للبنية التحتيه بشكل مشمتل بكل القطاعات المرتبطة بالأمن القومي و الضبط المجتمعي ، فيربي الشعور بالغضب الدفين الذي ينتج التناحر المتبادل فضلًا عن شعور السوء المتراكم و القهر الذي يفتح الباب لاستمرارية و ديمومة المقاومة كما في الثورة الفلسطينية الكبرى و الانتفاضة الأولي و الثانية عام 1986 و   2000م . بشكل مجمل ، تعد جيتا هي الصدى الحقيقي لقوة الاستعمار الاحتلالي بأحدث أشكاله و أنماطه الاستهلالية ، و المنتهية شكلًا مهينًا و كيلوبقراطيًا من الاحتلال المستمر لرغبة استعمارية خالصة بحق ، فقط من أجل ” سلام ” استسلامي قائم على دعائم هشة و رماد بركاني ينتظر الانفجار “الكلي ” كما يقول الفيلسوف و الانتثربولوجي الإسرائيلي جيف هلبرا بمنتهى التجسيد.

اقرأ أيضاً:

فرنسا بين أزمة العجز المالي وجدل ضريبة الثروة

مصطفي نصار

كاتب و مترجم متخصص في الفلسفة السياسية و التاريخ المتعلق بالشئون السورية و الفلسطينية و السودانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى