مجزرة صعدة: تداعيات الغارة الأميركية على مركز احتجاز المهاجرين في اليمن

في تصعيد خطير للوضع الإقليمي، أعلنت جماعة الحوثي في اليمن عن مقتل 68 شخصًا وإصابة 47 آخرين إثر غارة جوية أميركية استهدفت مركز احتجاز للمهاجرين الأفارقة بمدينة صعدة. وأكد الحوثيون أن المركز كان تحت إشراف المنظمة الدولية للهجرة والصليب الأحمر، معتبرين أن الهجوم يمثل “جريمة حرب مكتملة الأركان”. الغارة التي لم تعلق عليها وزارة الدفاع الأميركية حتى الآن، تأتي ضمن العملية العسكرية المستمرة “الفارس الخشن”، التي أطلقتها واشنطن في منتصف مارس الماضي لاستهداف القدرات العسكرية للحوثيين المدعومين من إيران. المشاهد المروعة التي بثتها قناة المسيرة الحوثية أبرزت حجم الكارثة، حيث ظهرت جثث الضحايا بين الأنقاض، ما أثار ردود فعل غاضبة محليًا ودوليًا. هذه الحادثة أعادت إلى الأذهان واقعة مشابهة وقعت عام 2022 حين قصف تحالف تقوده السعودية نفس المركز، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى. تطورات الوضع تثير تساؤلات جوهرية حول استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، ومدى التزامها بالقانون الدولي الإنساني.
الغارة الأميركية: تفاصيل الهجوم وأبعاده الإنسانية
أفادت مصادر حوثية أن الغارة استهدفت مركز احتجاز مهاجرين في صعدة كان يؤوي مئات الأشخاص من جنسيات إفريقية، أغلبهم من إثيوبيا والصومال. بحسب بيان الحوثيين، فإن القصف تم رغم معرفة الجهات الدولية بموقع المركز ووظيفته، مما يجعل الهجوم موضع إدانة واسعة. المنظمة الدولية للهجرة والصليب الأحمر لم يصدر عنهما بعد تعليق رسمي، لكن الحادثة تضع الولايات المتحدة أمام تساؤلات قانونية وأخلاقية. انتشار مقاطع مصورة عبر الإعلام الحوثي تُظهر جثث الضحايا والمصابين يزيد من حدة الغضب الشعبي، ويعزز من انتقادات المنظمات الحقوقية. الغارة أثرت أيضًا على جهود الإغاثة الإنسانية في منطقة تعاني أصلًا من كارثة إنسانية خانقة بسبب الحرب المستمرة منذ عقد. تشير هذه التطورات إلى خطورة الاستهداف العشوائي وعدم التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية في العمليات العسكرية الأميركية، مما قد يفتح الباب أمام تحقيقات دولية وملاحقات قانونية محتملة.

العملية “الفارس الخشن”: الأهداف الأميركية ومخاطر التصعيد
منذ 15 مارس، تنفذ الولايات المتحدة عملية عسكرية واسعة النطاق ضد جماعة الحوثي تحت مسمى “الفارس الخشن”، وتهدف بحسب تصريحات عسكرية أميركية إلى القضاء على التهديدات التي تطال السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن. تصعيد العمليات جاء بعد سلسلة من الهجمات الحوثية على سفن إسرائيلية وغربية تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة. الغارات الأميركية تركز على مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية، لكنها امتدت مؤخرًا لتطال القيادات السياسية والعسكرية للجماعة. الخبراء يرون أن واشنطن باتت تعتمد نهجًا أكثر عدوانية مقارنة بالفترات السابقة، مما يرفع من احتمالية الانزلاق إلى مواجهات إقليمية أوسع تشمل إيران وحلفاءها. رغم الضربات المكثفة، لم تفلح الولايات المتحدة في تحييد التهديد الحوثي بالكامل، مما يثير تساؤلات حول فعالية الاستراتيجية الحالية وجدواها على المدى الطويل.

تداعيات سابقة: غارة التحالف عام 2022 ومقارنتها بالهجوم الجديد
تذكر حادثة القصف الأخيرة بما حدث عام 2022 عندما قصف التحالف الذي تقوده السعودية نفس مركز الاحتجاز، مما أسفر عن مقتل 66 محتجزًا وإصابة 113 آخرين. حينها بررت الرياض الهجوم بأن الحوثيين كانوا يستخدمون الموقع لإطلاق الطائرات المسيرة، بينما اعتبر تحقيق للأمم المتحدة أن الموقع كان معروفًا كمرفق احتجاز. المفارقة أن الغارة السعودية قوبلت آنذاك بإدانات دولية واسعة، وها هي الولايات المتحدة اليوم تواجه سيناريو مشابهًا، مما يضعها في موقف حرج أمام الرأي العام العالمي. هذه الحوادث المتكررة تبرز إشكالية الاستهداف في النزاعات المسلحة، حيث تصبح المنشآت المدنية أهدافًا عسكرية مشروعة بمبررات واهية، مما يقوض قواعد القانون الإنساني الدولي، ويعمق معاناة المدنيين في مناطق النزاع.

الحوثيون يواصلون التحدي رغم القصف الأميركي
رغم التصعيد العسكري الأميركي، أظهرت جماعة الحوثي قدرة لافتة على الصمود والمناورة. ففي الأسابيع الماضية، تمكن الحوثيون من إسقاط سبع طائرات مسيرة أميركية من طراز ريبر، بتكلفة تقدر بأكثر من 200 مليون دولار للبنتاغون. كما أطلقوا صواريخ باليستية حديثة، مثل “فلسطين-2″، التي استهدفت قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية وتم اعتراضها بنجاح. هذه المؤشرات تدل على أن الضربات الجوية الأميركية، رغم كثافتها، لم تُفقد الحوثيين قدرتهم على تنفيذ هجمات مؤثرة، سواء في البحر الأحمر أو ضد أهداف إقليمية أخرى. الوضع الميداني يُظهر أن الجماعة تمتلك شبكة واسعة من القدرات العسكرية والتقنية، مدعومة بتدريب ودعم إيراني مباشر، مما يجعل استئصالها عملية معقدة وطويلة الأمد.
حسابات الربح والخسارة: قراءة في مستقبل النزاع
الرهان الأميركي على تفكيك البنية القيادية للحوثيين عبر استهداف شخصيات بارزة مثل عبد الملك الحوثي قد لا يؤدي إلى النتائج المرجوة. وفق تحليلات حديثة نشرتها “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، فإن طبيعة الفكر الزيدي الذي تتبناه الجماعة تجعل مسألة القيادة مسألة دينية قبل أن تكون سياسية، مما يعني أن أي فراغ قيادي قد يملأه بسهولة زعيم آخر يحظى بشرعية دينية. علاوة على ذلك، فإن استمرار الدعم الإيراني يعزز من استقرار الجماعة سياسيًا وعسكريًا، ويجعلها أقل عرضة للانهيار تحت الضغط الخارجي. هذه المعطيات تشير إلى أن النزاع في اليمن، مع تشابكه بالملف الإيراني الإسرائيلي، مرشح للاستمرار والتفاقم، مع ما يحمله ذلك من تداعيات أمنية وإنسانية على المنطقة برمتها.

نهاية دامية تستدعي بداية دبلوماسية: ضرورة إعادة تقييم المسار في اليمن
تشكل الغارة الأميركية الأخيرة على مركز احتجاز المهاجرين في صعدة محطة مأساوية جديدة في سجل النزاع اليمني، وتكشف عن العواقب الوخيمة للاعتماد المفرط على الحلول العسكرية في قضايا معقدة سياسيًا وإنسانيًا. استمرار الضربات الجوية دون وجود مسار دبلوماسي واضح يهدد بزيادة معاناة المدنيين وتوسيع رقعة الصراع في المنطقة. في ظل غياب رؤية استراتيجية متماسكة، يصبح الوضع أكثر تعقيدًا، مما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لإعادة ضبط بوصلة التعامل مع الأزمة. احترام مبادئ القانون الإنساني الدولي لم يعد خيارًا بل ضرورة ملحة، لإنقاذ الأرواح وإتاحة الفرصة لبناء مسار سياسي حقيقي يعيد لليمنيين الأمل بمستقبل أكثر استقرارًا وأقل دمويّة.