الاقتصاد

كيف قادت تقنيات الذكاء الاصطناعي المسيّرات الأوكرانية لضرب المطارات العسكرية الروسية؟

الهجمات كشفت عن جيل جديد من الأسلحة ذاتية التوجيه وعن سباق تقني يتسارع على وقع المعركة

في مشاهد لافتة، تصاعدت أعمدة الدخان الكثيف من قواعد جوية روسية محترقة، فيما اشتعلت طائرات قاذفة استراتيجية كانت رابضة شمال الدائرة القطبية، لتُظهر مدى قدرة أوكرانيا على توجيه ضربات جريئة في عمق الأراضي الروسية.

عملية “شبكة العنكبوت” التي نفذتها أجهزة الأمن الأوكرانية (SBU) في مطلع يونيو الجاري، واستهدفت أربع قواعد جوية روسية، لم تكن مجرد عملية عسكرية معقدة، بل كشفت كذلك عن مرحلة جديدة من الحرب تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي.

يقول فاليري بوروفيك، المدير التنفيذي لشركة “فيرست كونتاكت” التي طورت المسيّرات المستخدمة:

“الحرب تتغير يومًا بعد يوم… نحن أمام واقع جديد يتمثل في أسراب من الطائرات الصغيرة، وتقنيات التوجيه الذكية في المرحلة الأخيرة، وتصغير حجم المسيّرات. وعلينا الاستعداد لكل ذلك”.

ورغم الطابع المرتجل الذي قد يوحي به استخدام طائرات رخيصة في ساحات القتال، إلا أن طائرات “فيرست كونتاكت” – والتي يُطلق عليها بوروفيك اسم “Osa” تيمنًا ببطل أسطوري من فيلم أوكراني – تمثل قمة في التطوير: مصنوعة من مواد فاخرة، قابلة للتخصيص الكامل، وتُدار بأنظمة ذكاء اصطناعي متطورة.

وأوضح بوروفيك أن هذه المسيّرات المُصممة خصيصًا للمهمات النوعية تكلفتها تبلغ خمسة أضعاف المسيّرات التقليدية، مشيرًا إلى أن تصميمها المغلق يساعدها على مقاومة الظروف الجوية القاسية وإخفاء أنظمة التشويش المدمجة داخلها.

وبحسب جهاز الأمن الأوكراني، فإن هذه المسيّرات كانت مزودة بأنظمة ذاتية القيادة سمحت لها بمواصلة رحلتها “وفق مسار مبرمج مسبقًا” حتى بعد فقدان الاتصال، بل واستطاعت تفعيل رؤوسها الحربية بشكل تلقائي عند الاقتراب من الأهداف المحددة.

أما ياروسلاف أجنيوك، مطور مسيّرات آخر يعمل لصالح الجيش الأوكراني، فقال إن الجانبين – أوكرانيا وروسيا – باتا يدخلان في سباق حقيقي نحو تطوير قدرات ذاتية التوجيه، موضحًا أن “التوجيه الكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يزال تحديًا كبيرًا، لكن أنظمة التوجيه في المرحلة الأخيرة أصبحت منتشرة ميدانيًا”، وهي أنظمة تسمح للطيار باختيار الهدف ثم ترك الذكاء الاصطناعي يتولى الباقي.

ويقول أجنيوك إن شركته “The Fourth Law” كانت أول من سلّم وحدات قتالية هذه الأنظمة الجديدة قبل عام، بينما تعمل شركات أخرى على تجارب مماثلة.

في المقابل، أعلنت وزارة التحول الرقمي الأوكرانية عن بدء استخدام طائرة مسيّرة تحمل مسيّرتين انتحاريتين، وتستطيع التحليق لمسافة تصل إلى 300 كيلومتر، مع قدرة ذاتية على تحديد الأهداف والملاحة.

من الجانب الروسي، أشار جهاز الاستخبارات الأوكراني إلى رصد طائرة مسيّرة روسية مزودة بتقنيات بحث واختيار الأهداف بشكل آلي، واستخدمت في بنائها مكونات أميركية مأخوذة من أجهزة ألعاب الفيديو.

تقول ليوبا شيبوفيتش، المؤسِّسة المشاركة لمنظمة Dignitas Ukraine غير الربحية:

“الحرب باتت سباقًا مستمرًا للتكيف، ولم يعد كافيًا أن تزيد أعداد السلاح، بل عليك تطويره باستمرار لمواجهة التكنولوجيا المضادة”.

وخلال الأشهر الأخيرة، كثّف الجيش الأوكراني – بالتعاون مع شركات التقنية ومؤسسات المجتمع المدني – جهوده لتطوير مسيّرات اعتراضية تستطيع إسقاط طائرات الاستطلاع الروسية والطائرات الانتحارية من طراز “شاهد” المصنعة بتقنية إيرانية.

من جانبه، يقول بوهدان دانيلف، رئيس القسم العسكري في مؤسسة “بريتولا” الأوكرانية، إن منظمته سلّمت قرابة 600 طائرة اعتراضية ثابتة الجناح منذ مطلع العام، وأسقطت 247 طائرة مسيّرة روسية.

ويضيف:

“السبب في أننا نبتكر دائمًا هو ببساطة أننا نفتقر إلى ما يكفي من الموارد. حين لم تتوفر لدينا القذائف، استخدمنا الطائرات الانتحارية الصغيرة، وحين شحّت الصواريخ المضادة للطائرات، اعتمدنا على الاعتراض الجوي عبر المسيّرات”.

وتطورت هذه المحاولات من استخدام مسيّرات FPV المُعزّزة إلى مسيّرات ثابتة الجناح أكثر سرعة وفاعلية، لكن شيبوفيتش تشير إلى أن الإنتاج لا يزال محدودًا، وأنه لا توجد بعدُ تكنولوجيا فعالة لمواجهة مسيّرات “شاهد” بشكل شامل.

وفيما يتعلق بالتكنولوجيا الناشئة، تعترف أوكرانيا بتأخرها في مجال الطائرات المسيّرة المرتبطة بكابل ألياف ضوئية، وهي تقنية بدأت روسيا باستخدامها مؤخرًا في جبهة كورسك، وتسمح بتجاوز أنظمة التشويش واستهداف دقيق عبر كابل شبه شفاف.

يقول أولكسندر ياكوفينكو، المدير التنفيذي لشركة TAF Drones، إحدى أكبر شركات إنتاج المسيّرات في أوكرانيا:

“أخطأنا في التقدير… حين بدأ الروس باستخدام المسيّرات المرتبطة بالألياف الضوئية، اعتقدنا أنها غير مجدية ولن تنتشر، لكن تبين أنها فعالة”.

الشركة بدأت مؤخرًا في إنتاج هذا النوع بكثافة، وتنتج قرابة 10 آلاف وحدة شهريًا، لكن ياكوفينكو يؤكد أن أوكرانيا بحاجة إلى ما يصل إلى 70 ألف مسيّرة من هذا النوع، بمدى يصل إلى 25 كيلومترًا، لمعادلة قدرات العدو.

نوران الرجال

نوران الرجال باحثة اقتصادية وكاتبة صحفية متخصصة في شؤون النقل البحري والاقتصاد البحري، وتشغل عضوية لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل. كما تتولى منصب المدير العام لمركز العربي للأبحاث البحرية والاستراتيجية، حيث تسهم في صياغة الرؤى وتقديم الدراسات الداعمة لتطوير قطاع النقل البحري في المنطقة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى