الوكالات

استثمار تاريخي في “سايزويل C”: بريطانيا تراهن على الطاقة النووية لأمن المستقبل

بريطانيا تضخ 11.5 مليار جنيه إضافية في "سايزويل C": عودة قوية للاستثمار النووي لتعزيز أمن الطاقة

في خطوة تعكس تحولًا كبيرًا في سياسة الطاقة البريطانية، أعلنت الحكومة عن استثمار جديد ضخم في مشروع مفاعل “سايزويل C” النووي، مؤكدة عودتها القوية إلى دعم الطاقة النووية بعد عقود من الاعتماد على القطاع الخاص. ويأتي هذا الإعلان ضمن جهود وطنية لتعزيز أمن الطاقة، ودعم النمو الاقتصادي، وتوفير آلاف فرص العمل، في ظل تحديات متزايدة تتعلق باستقرار الإمدادات وتقلبات مصادر الطاقة المتجددة.

الاستثمارات الحكومية الإجمالية في الموقع ترتفع إلى 17.8 مليار جنيه

أعلنت الحكومة البريطانية تخصيص تمويل حكومي جديد بقيمة 11.5 مليار جنيه إسترليني لمفاعل “سايزويل C” النووي في مقاطعة سافولك، منهية بذلك سنوات من التردد والجمود في ملف الاستثمار النووي في البلاد. وبذلك يرتفع إجمالي مساهمة الدولة في المشروع إلى 17.8 مليار جنيه.

وقالت وزيرة الخزانة راشيل ريفز، التي ستعلن عن التمويل الجديد خلال مؤتمر نقابة GMB، إن القرار يمثل نهاية “لسنوات من التأخير”، مؤكدة أن المشروع سيساهم في توفير نحو 10 آلاف فرصة عمل.

ورغم القيود التي فرضتها مراجعة الإنفاق العام على الميزانيات اليومية للوزارات، تمكنت ريفز من توفير التمويل الجديد عبر تعديل قواعد الإنفاق المالي، مما أتاح 113 مليار جنيه إسترليني للاستثمارات الرأسمالية الإضافية من خلال الاقتراض.

عودة الدولة إلى تمويل المشاريع النووية

ويمثل هذا الإعلان تحوّلاً في السياسة البريطانية، بعد أن أوكلت الدولة في السنوات الماضية تمويل مشاريع الطاقة النووية للقطاع الخاص، كما حدث مع مشروع “هنكلي بوينت C” المتعثر في مقاطعة سومرست. وكانت آخر مساهمة حكومية كبيرة في هذا القطاع في عام 1987، عندما خُصصت ملياري جنيه لمحطة “سايزويل B”، وهو ما يعادل نحو 7 مليارات اليوم بعد احتساب التضخم.

 

وتشترك الحكومة البريطانية حالياً مع مجموعة “إي دي إف” الفرنسية للطاقة، المملوكة للدولة، والتي تحتفظ بحصة 15% في مشروع “سايزويل C”. ويسعى الطرفان إلى جذب مستثمرين إضافيين قبل اتخاذ “القرار الاستثماري النهائي”، المتوقع الإعلان عنه الشهر المقبل خلال قمة بريطانية فرنسية في لندن.

 

تفاصيل التمويل والمستثمرين المحتملين

وبحسب الحكومة، فإن إجمالي التمويل الذي ستقدمه الدولة للمحطة النووية ذات القدرة الإنتاجية البالغة 3.2 غيغاواط سيبلغ 14.2 مليار جنيه خلال الدورة البرلمانية الحالية، بما يشمل 2.7 مليار كانت قد أُعلنت سابقاً ضمن موازنة الخريف. كما تم ضخ 3.6 مليار خلال العامين الماضيين.

 

من جانبها، قالت شركة “إي دي إف” إن اتخاذ القرار الاستثماري النهائي سيعتمد على ضمان تحقيق العائد المتوقع للمستثمرين. لكن المدير التنفيذي للشركة في بريطانيا، سيموني روسي، أكد أن المشروع يعزز “أمن الطاقة والنمو الاقتصادي” في البلاد.

 

ومن أبرز الجهات الخاصة المرشحة للاستثمار في المشروع صندوق المعاشات الكندي CDPQ، ومجموعة “أمبر إنفراستركتشر”، و”بروكفيلد”، وصندوق USS البريطاني للمعاشات، و”شريدرز غرينكوت”، و”إيكويتيكس”، و”سنتريكا”، وشركة التأمين “روثيساي”. وتشير التقديرات إلى أن التكلفة النهائية للمشروع قد تقترب من 40 مليار جنيه إسترليني.

 

طاقة نووية لتعزيز أمن الإمدادات

تأتي هذه الخطوة في إطار سياسة الحكومة لتعزيز مصادر “الطاقة الأساسية” القادرة على تعويض تقلبات إنتاج الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية. لكن البلاد لم تُنشئ أي محطة نووية جديدة منذ عام 1995، ومن المتوقع إغلاق معظم المفاعلات الحالية، باستثناء “سايزويل B”، بحلول أوائل الثلاثينيات.

 

مشاريع موازية في التكنولوجيا النووية

في السياق ذاته، أعلنت الحكومة يوم الثلاثاء أن تحالفاً تقوده شركة “رولز رويس” البريطانية قد تم اختياره كجهة مفضلة لبناء أول مفاعل نووي صغير (SMR) في المملكة المتحدة. ويمثل هذا الإعلان خطوة نحو تطوير هذه التكنولوجيا، رغم أن تشغيل أولى هذه الوحدات قد لا يتم قبل ثلاثينيات القرن الحالي.

كما كشفت الحكومة عن خطة لاستثمار أكثر من 2.5 مليار جنيه إسترليني في أبحاث الاندماج النووي خلال خمس سنوات، في ما وصفته بـ”استثمار قياسي” في هذه التكنولوجيا الوليدة. وأشادت ميلاني ويندريدج، رئيسة مجموعة Fusion Energy Insights، بقرار الحكومة واعتبرته اعترافاً بـ”القيمة الاقتصادية لتطوير تكنولوجيا الاندماج في بريطانيا”.

ورغم ضخامة هذا الاستثمار، إلا أنه يظل أقل قليلاً مما تنفقه الولايات المتحدة على أبحاث الاندماج النووي، ولا يتجاوز ثلث الميزانية السنوية التي تخصصها الصين لهذا القطاع.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى