تايوان بين الحصار والاعتماد الطاقي: النووي خيار الصمود الضروري
الطاقة النووية في تايوان: ورقة البقاء وسط الحصار والتهديدات الصينية

في وقت تتعرض فيه تايوان لضغوط متزايدة، ليس فقط من حيث الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري، بل أيضًا من ناحية حصار محتمل وانهيار سلاسل التوريد، بات من الضروري إعادة تقييم قرار الاستغناء عن الطاقة النووية. فالطاقة في هذا السياق لا تُعد مجرد مسألة مدنية، بل أصبحت جزءًا من معادلة الصمود والبقاء الوطني.
انسحاب محفوف بالمخاطر: التخلي عن الطاقة النووية في لحظة حرجة
قررت تايوان رسميًا إنهاء العمل بالطاقة النووية، وهو قرار أثار جدلًا واسعًا داخل البلاد. ويعتبر محللون مثل براندون ويشرت أن التخلي عن مصدر طاقة مستقر لصالح واردات غير مضمونة يعكس استخفافًا بمبدأ الدفاع الوطني. ومن دون الطاقة النووية، يرى كثيرون أن قدرة تايوان على الصمود في وجه حصار طويل الأمد ستتضاءل، ما يربك الحسابات الأمريكية في حال وقوع نزاع.
من جانب آخر، يرفض المعارضون مثل مايكل تورنت هذه الفرضية، محذرين من أن المفاعلات النووية ستكون أهدافًا أولى في أي هجوم، ما قد يسبب كوارث إشعاعية. كما يرى أن الحصار سيقلل النشاط الصناعي، وبالتالي ينخفض الطلب على الطاقة.
الصين لا تسعى للتدمير بل للسيطرة: قراءة في سلوك بكين العسكري
تشير المناورات الصينية المتكررة، مثل “سيف مشترك 2024A” و”رعد المضيق 2025A”، إلى استراتيجية ضغط نفسي وحصار اقتصادي بدلًا من الغزو المباشر. فعلى الرغم من عدوانية هذه التمارين، إلا أنها لا تُظهر نية لدى الصين في تدمير كامل للبنية التحتية التايوانية.
القيادة الصينية، حسب محللين عسكريين، تدرك أن تدمير تايوان يتناقض مع هدفها النهائي المتمثل في إخضاع الجزيرة ضمن نفوذها السياسي والاقتصادي. وقد قال الخبير العسكري الصيني تشانغ تشي صراحة: “تايوان اقتصادها يعتمد على التصدير، ومعظم طاقتها تأتي من الواردات. الحصار سيكفي لتدميرها اقتصاديًا”.
تايوان بلا عمق استراتيجي: الحاجة إلى الطاقة النووية كعامل صمود
كجزيرة منعزلة، لا تمتلك تايوان خيارات استيراد بري للطاقة، وتعتمد بنسبة 80% على الوقود الأحفوري المستورد. في حال فرض حصار، سيتسبب ذلك بانهيار فوري لمنظومة الكهرباء. أما الاعتماد على تقليل الطلب الصناعي كمخرج مؤقت، فهو حل يقوض موقع تايوان كمركز عالمي في صناعة التكنولوجيا، ويُضعف اهتمام المجتمع الدولي بالدفاع عنها.
إغلاق المصانع وكتم الصوت الصناعي التايواني هو بالضبط ما تسعى إليه الصين. ولهذا، فإن الحفاظ على طاقة قادرة على إبقاء القطاع الصناعي الحيوي نشطًا، مثل الطاقة النووية، هو ضرورة وجودية.
دروس أوكرانيا: المفاعلات تُحمى لا تُقصف
يجادل المعارضون بأن المنشآت النووية تُعد أهدافًا مغرية في الحروب. لكن تجربة أوكرانيا مع محطة زابوريجيا تُظهر العكس. فبدلًا من تدميرها، احتلتها القوات الروسية واستغلتها كورقة تفاوضية ولتوجيه الطاقة للمناطق التي تسيطر عليها. هذا السلوك يؤكد أن المفاعلات تُعامل كممتلكات استراتيجية، وليست نقاطًا لتوجيه الضربات.
الإبقاء على الصناعات التايوانية: ضرورة للدفاع والتحالفات الدولية
صمود تايوان في أي صراع يعتمد على بقائها مركزًا صناعيًا نشطًا، وليس فقط على النجاة من القصف. فتوقف إنتاج أشباه الموصلات، مثلًا، قد يؤدي إلى تراجع الالتزام الدولي بحمايتها. وكما يشير إيفان كاناباثي، مدير شؤون آسيا السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، فإن الحل يكمن في تبني مبكر لتقنيات المفاعلات النووية الصغيرة، القادرة على توفير طاقة مستقرة في ظروف صعبة.
الطاقات المتجددة ليست بديلًا نوويًا بعد
لا خلاف على أهمية تطوير الطاقات المتجددة وتوسيع شبكات الكهرباء اللامركزية. لكن اعتبارها بديلًا كاملًا للطاقة النووية هو تفكير سابق لأوانه. منذ إغلاق مفاعلاتها، أصبحت تايوان تعتمد على الوقود الأحفوري في توليد 95% من كهرباء الليل. الطاقة الشمسية لا تعمل ليلًا، والرياح لا تهب دائمًا.
العبء المالي: دعم الوقود والطاقات المتجددة يتفوق على ميزانية الدفاع
أنفقت شركة تاي باور الحكومية ما يقارب 19.5 مليار دولار على شراء الوقود في 2023، أي أكثر من ضعف ما أنفقته قبل عامين، بينما ارتفعت الإعانات الموجهة للطاقات المتجددة. في الوقت نفسه، تجاوز الإنفاق على الطاقة إنفاق تايوان العسكري، في وقت يُفترض فيه توجيه الموارد لتعزيز الردع والدفاع.
العودة إلى النووي: مطلب شعبي وحل قانوني متاح
قامت الهيئة التشريعية في تايوان مؤخرًا بتعديل قانون تنظيم المفاعلات النووية، لتمديد عمرها من 40 إلى 60 عامًا، ما يفتح الباب أمام إعادة تشغيل المفاعلات القديمة. هذا الإجراء يحظى بدعم شعبي واسع، إذ أظهر استطلاع حديث أن 70% من المواطنين يؤيدون الحفاظ على الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة الوطني.
الخبرات الدولية تؤكد الاتجاه: من ألمانيا إلى اليابان
شهدت دول مثل الولايات المتحدة واليابان والسويد تحولًا في مواقفها تجاه الطاقة النووية. اليابان، على سبيل المثال، أعادت تقييم قرارها بعد كارثة فوكوشيما، وبدأت بإعادة تشغيل مفاعلاتها، مدفوعة بصدمة أسعار الطاقة. تايوان لا تختلف في ظروفها، وربما تكون أكثر عرضة للخطر إذا استمرت في تجاهل هذه الدروس.
العقبة السياسية: التخزين الآمن للنفايات النووية
تُعد قضية تخزين النفايات النووية من العقبات المتبقية. لكن تايوان تمتلك التكنولوجيا اللازمة لتطوير أنظمة التخزين الجاف الآمن. المسألة تتعلق بالإرادة السياسية، لا بالقدرة الفنية.
الخلاصة: قرار وجودي في لحظة مفصلية
الحديث عن مستقبل الطاقة في تايوان لم يعد ترفًا تقنيًا أو خيارًا بيئيًا. إنه قرار بقاء. وإذا كانت تايوان جادة في الحفاظ على استقلالها وتعزيز قدرتها على الصمود، فعليها إعادة التفكير فورًا في الطاقة النووية كمكون رئيسي لاستراتيجيتها الدفاعية، وليس فقط كمصدر للكهرباء.