علوم وتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يحوّل الشكاوى من تعبير فردي إلى أزمة مؤسسية متصاعدة

ثورة الروبوتات المشتكية تغيّر شكل الشكاوى وتربك المؤسسات العامة والخاصة

لم يعد الأمر يحتاج إلى محامٍ بارع أو موظف غاضب يمتلك حسًّا لغويًا عاليًا. يكفي بضع نقرات على موقع ذكاء اصطناعي لتجد إدارة الموارد البشرية أو لجنة شكاوى أولياء الأمور أمام خطاب طويل، مشحون بالاستشهادات القانونية، ومنسّق بطريقة تكاد تخدع المحترفين.

الكاتبة بيلتا كلارك ترصد هذه الظاهرة بأسلوبها الساخر في مقالها الأخير، منطلقة من قصة طريفة تداولها مستخدم على LinkedIn. إذ اعتاد موظف يُدعى كريس الانضمام مبكرًا للاجتماعات الافتراضية، فيصرخ فجأة “أنا على متن التيتانيك، وقد اصطدمنا بجبل جليدي!”، ليظهر لاحقًا في محضر الاجتماع المولّد آليًا وكأن الأمر حقيقة. القصة أثارت الضحك، لكنها أيضًا تكشف جانبًا مهمًا: الذكاء الاصطناعي صار حاضرًا في تفاصيل دقيقة من العمل المكتبي.

 

 السخرية إلى الأزمة القانونية

 

لكن ما يبدو طريفًا سرعان ما يتحول إلى صدمناع إداري حقيقي، كما تشير المحامية سارة هاروب، المختصة في قضايا العمل بلندن. فبعد ظهور أدوات مثل ChatGPT، بدأت مكاتب الموارد البشرية تتلقى شكاوى مطوّلة ومفصّلة، تزخر بالمصطلحات القانونية. إلا أن هذه المستندات في كثير من الأحيان تتضمن معلومات خاطئة أو مختلقة يصعب التحقق منها، ما يفرض عبئًا مضاعفًا على فرق الشؤون القانونية ويستهلك وقتًا وجهدًا باهظين.

تقول هاروب إن بعض القضايا باتت تحتوي على عشرات الرسائل، تُكتب بسرعة ودقة لافتتين، ما يدل على أنها من إنتاج برامج الذكاء الاصطناعي. وهذا يخلق ضغطًا على أصحاب العمل والمحاكم على حد سواء.

 

المعاناة لم تَعُد حكرًا على الشركات

ليست الشركات وحدها من تواجه هذا الطوفان الرقمي. فحتى المدارس باتت تتعرض لشكاوى مفصلة ومدعّمة بمراجع قانونية تبدو قوية – لكنها في الغالب لا أساس لها – وفقًا لما رواه أحد أعضاء مجالس الإدارة التعليمية، مشيرًا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعًا غير مسبوق في مثل هذه الرسائل، التي كثيرًا ما تكون مدفوعة أو مكتوبة جزئيًا على الأقل بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي.

 

هل كل شكوى روبوتية غير مبررة؟

 

لا تُنكر الكاتبة وجود أسباب وجيهة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تقديم الشكاوى، خاصة في وجه أصحاب العمل الظالمين أو القرارات الإدارية العشوائية. فهي، كما تقول، اختبرت أحد هذه المواقع وطلبت خطاب شكوى حول قلة الحمّامات النسائية في مبنى إداري، فجاءها الرد في ثوانٍ برسالة قوية، موجزة ومُحكمة الصياغة، تصف الوضع بأنه “تمييز يُظهر صورة غير مهنية عن المكان”. وكانت النتيجة، كما تعترف، إحساسًا بالامتنان.

 

لكن ما الثمن؟

رغم الاعتراف بفعالية بعض الشكاوى، تشير الكاتبة إلى خطر حقيقي: إغراق إدارات الشكاوى والموارد البشرية برسائل مصطنعة ومُضلّلة قد يدفعها في النهاية إلى تجاهل الشكاوى الحقيقية، أو ما هو أسوأ: الرد الآلي بالمثل! فتتحول العملية كلها إلى حوار بين “روبوتين”، يتبادلان الشكاوى والردود بينما يقف البشر متفرجين.

 

نهاية مفتوحة وسؤال مُربك

هل سنصل إلى لحظة تَتُرك فيها المؤسسات موظفيها من لحم ودم ليشاهدوا الذكاء الاصطناعي وهو يتجادل مع نسخته الأخرى؟ الكاتبة لا تعطي إجابة قاطعة، لكنها تترك الباب مفتوحًا للتأمل: في عالم تتسارع فيه أدوات الذكاء، من يمكنه أن يُقسم أننا لن نصل إلى هذه النقطة؟

 

اقرا أيضاً:

وفاة رضيع صعقًا بالكهرباء داخل منزله بقرية فاو غرب في قنا

 

الأء ياسين

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى