هل تلاعبت بلغاريا بالأرقام لتدخل منطقة اليورو؟
خفض رسوم المستشفيات بنسبة 82.8% يثير شكوكًا بشأن مصداقية أرقام التضخم الرسمية

مع اقتراب بلغاريا من نيل الضوء الأخضر للانضمام إلى منطقة اليورو في يناير 2026، تسود تساؤلات جدية حول الطريقة التي تمكّنت بها البلاد من تجاوز معيار التضخم الصارم. في أبريل الماضي، أعلنت الحكومة – دون ضجة – عن خفض غير متوقع بنسبة 82.8% في رسوم الإقامة اليومية بالمستشفيات العامة.
حتى مقدمو النشرات الإخبارية في التلفزيون البلغاري بدوا مرتبكين، غير قادرين على تفسير الهدف من الخطوة.
لكن النتيجة كانت واضحة: هذا الانخفاض الحاد ساهم في تقليص مؤشر الأسعار الاستهلاكية المُنسّق (HICP)، وبالتالي في تمكين بلغاريا من تجاوز اختبار التضخم بشق الأنفس.
أسعار تحت السيطرة: كيف لعبت الدولة دور المنقذ؟
بلغاريا لطالما سيطرت على أسعار قطاعات مثل النقل، البريد، والصحة. لكن في أبريل، جاء التأثير من الصحة بالأساس:
رسوم المستشفيات خُفضت من 5.8 ليفا إلى ليف واحد فقط (من 2.97 يورو إلى 0.51).
أسعار السكك الحديدية والبريد انخفضت بأكثر من 9%.
التغييرات الحكومية دفعت التضخم السنوي إلى التراجع 1.2 نقطة مئوية في شهر واحد فقط.
بحسب تقديرات المفوضية الأوروبية، ساهم خفض رسوم المستشفيات وحده في تقليص التضخم العام بـ0.89 نقطة مئوية، ليبلغ المعدل السنوي للتضخم في الفترة من مايو 2024 إلى أبريل 2025 نحو 2.7%، أي أقل بقليل من الحد المطلوب للانضمام إلى اليورو (2.8%).
الخبير الذي لا يثق بالأرقام
الخبير الاقتصادي الشهير ستيف هانكي، الذي صمم مجلس النقد البلغاري في أواخر التسعينيات، لم يخفِ شكوكه. وقال في تعليقات عبر البريد الإلكتروني لـ بوليتيكو:
“أعتقد أن هناك احتمالًا مرتفعًا بأن بيانات التضخم قد تم التلاعب بها… لا أثق في الأرقام الحالية أكثر مما أثق في قدرتي على قذفها بعيدًا.”
وأشار هانكي إلى أن المعروض النقدي في بلغاريا ينمو بمعدل يفوق ما يتطلبه الاستقرار السعري، ما يعني أن التضخم الحقيقي ربما أعلى بكثير من المُعلن.
رد الحكومة: “لا علاقة باليورو”
الحكومة البلغارية تصر على أن خفض رسوم المستشفيات لا علاقة له بخطط الانضمام إلى منطقة اليورو.
وزارة الصحة قالت إنها “تدعم أي سياسات من شأنها تقليل العبء المالي للرعاية الصحية على الأسر”، مشيرة إلى أن الإجراء يتماشى مع توصيات مجلس الاتحاد الأوروبي.
لكن الجمعيات الطبية البلغارية لم تشارك هذا الحماس، فقد أرسلت خطابًا إلى الوزارة تحذر فيه من أن القرار اتُّخذ دون دراسة كافية، ويهدد بزيادة الضغط المالي على المستشفيات – خصوصًا في المناطق الريفية.
تقدّر خسارة مستشفى جامعة “القديسة كاترينا” في صوفيا من هذا القرار بنحو 40 ألف ليفا سنويًا (ما يعادل 20 ألف يورو تقريبًا).
التمويل الصحي في مأزق أصلاً
حتى قبل هذا الخفض الكبير، كانت المنظومة الصحية في بلغاريا تعاني من اختلالات كبيرة:
%34 من الإنفاق الصحي في بلغاريا يأتي من جيب المواطن مباشرة، وهي أعلى نسبة في الاتحاد الأوروبي (المتوسط: 15%).
كثير من الخدمات خارج التغطية الحكومية، ما يضطر الناس للدفع نقدًا للأدوية والإجراءات غير المدرجة.
ردود فعل المؤسسات: دفاع وتقليل من شأن القضية
وزارة المالية ردت بغضب على الاتهامات، مؤكدة أن بلغاريا “شريك موثوق” وأنها “لن تسمح بترويج الإشاعات”.
المعهد الوطني للإحصاء أكد أن دوره يقتصر على “جمع البيانات”، بينما تتخذ مؤسسات أخرى القرارات بشأن الأسعار.
وفي دفاع تقني، أوضح الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الوزراء السابق، أتاناس بيكانوف، أن الأسعار الخاضعة للرقابة ليست جديدة في بلغاريا، بل موجودة منذ عقود، وموجودة كذلك في بلدان أخرى بالاتحاد الأوروبي.
خلاصة: تلاعب ناعم أم التزام صارم؟
في نهاية المطاف، بلغاريا نجحت رسميًا في تجاوز اختبار التضخم، لكن الطريق الذي سلكته يثير جدلًا واسعًا. هل قامت بتعديل مشروع لتحسين العدالة الاجتماعية في قطاع الصحة؟ أم أنها لجأت إلى حيلة ذكية لخفض المؤشرات الرقمية وتمرير بوابة اليورو؟
المفوضية الأوروبية تعترف بأن خفض رسوم المستشفيات كان العامل الأساسي في تراجع التضخم، لكنها لم تصدر أي إنذار رسمي. وقد لا يكون هناك ما يمنع قانونًا من تعديل الأسعار في هذا الاتجاه — لكن سيبقى السؤال الأخلاقي والسياسي حاضرًا: هل كانت هذه السياسة موجهة فعلاً لخدمة المواطنين، أم فقط لخداع المؤشرات؟