تمرير مشروع ترامب الضخم للضرائب والإنفاق: انتصار تشريعي كبير يُشعل جدلاً سياسياً
انتصار تشريعي كبير يُشعل جدلاً سياسياً واجتماعياً

في لحظة تُعدّ فارقة في الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، صوّت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ضئيلة (218 مقابل 214) لصالح مشروع قانون ضخم يتعلق بالضرائب والإنفاق، مُمهّدًا الطريق لتوقيعه ودخوله حيّز التنفيذ قبل عطلة يوم الاستقلال. ويعد المشروع أول انتصار تشريعي كبير لترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، ويعكس مدى قدرة الجمهوريين على تجاوز الخلافات الداخلية لتحقيق أهداف الإدارة الجديدة.
لكنّ خلف الأضواء السياسية والاحتفالات الحزبية، تكشف تفاصيل المشروع عن تغيرات جذرية تهزّ شبكات الأمان الاجتماعي الأمريكية، وتطرح تساؤلات حول العدالة الضريبية ومستقبل الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع الأمريكي.
إنفاق ضخم يُمَوَّل بتقليص الدعم للفقراء
يشمل مشروع القانون تمديدًا دائمًا لتخفيضات ضريبية تعود إلى فترة رئاسة ترامب الأولى، إلى جانب إعفاءات مؤقتة تشمل الأجور الإضافية، والبقشيش، وفوائد قروض السيارات. إلا أن هذه التخفيضات ستؤدي إلى خسارة تريليونات الدولارات من إيرادات الدولة، ما دفع الجمهوريين إلى تمرير حزمة تقشفية شديدة تطال برامج مثل “ميديكيد” (Medicaid) و”سناب” (برنامج المساعدات الغذائية). وبحسب مكتب الميزانية في الكونغرس، ستُضاف 3.3 تريليون دولار إلى العجز الفيدرالي خلال العقد القادم.
تعزيز أجهزة الترحيل وتوسيع الجدار الحدودي
من أبرز ملامح القانون تخصيص 170 مليار دولار لتعزيز قدرات “وكالة الهجرة والجمارك” (ICE)، بما يشمل بناء منشآت احتجاز جديدة، وتوسيع عمليات الترحيل، وتوظيف 10 آلاف عميل جديد بحلول عام 2029. كما خُصص 50 مليار دولار للجدار الحدودي والمنشآت الدفاعية على الحدود مع المكسيك. ويرى المراقبون أن هذه الإجراءات ستمنح ترامب صلاحيات غير مسبوقة في ملف الهجرة، وقد تؤدي إلى موجة ترحيلات جماعية.
ضربات قاسية للسياسات البيئية
يشكل القانون انتكاسة كبيرة لجهود مكافحة تغير المناخ، إذ ينص على إلغاء معظم الحوافز الضريبية التي أُقرت في عهد جو بايدن لتشجيع السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة. هذا التراجع سيُبطئ من وتيرة الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، ما قد يضر بالتزامات أمريكا الدولية في مجال المناخ، ويقوّض تحولات الأسواق العالمية باتجاه مصادر الطاقة المستدامة.
معارضة ديمقراطية شرسة واحتجاجات مطوّلة
وصف الديمقراطيون المشروع بأنه “قانون قبيح وكارثي”، واتهموه بتفكيك برامج مكافحة الفقر لتمويل إعفاءات ضريبية للأثرياء. وفي خطوة احتجاجية نادرة، ألقى زعيم الأقلية الديمقراطية هاكيم جيفريز خطابًا استمر لأكثر من 8 ساعات على أرضية المجلس، محذرًا من أن “الضحية ستكون الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة”، مشيرًا إلى أن القانون “ينزع الطعام من أفواه الأميركيين الضعفاء لإرضاء المانحين المليارديرات”.
انقسام داخل الحزب الجمهوري
رغم أن غالبية الجمهوريين اصطفوا خلف ترامب، فإن تمرير المشروع لم يكن سهلاً. إذ اعترض بعضهم على العجز الضخم المتوقع، فيما خشي آخرون من تأثير تقليص “ميديكيد” على ناخبيهم. النائب توماس ماسي والنائب بريان فيتزباتريك كانا الوحيدين من الجمهوريين اللذين صوّتا ضد المشروع. أما السناتور الجمهوري توم تيليس من ولاية كارولينا الشمالية، فرفض دعم المشروع بسبب ضرره المتوقع على ناخبيه، ما دفع ترامب إلى تهديده بدعم منافس له في الانتخابات المقبلة.
تهديد مباشر للفئات الأضعف
وفقًا للتقديرات، قد يفقد ما يصل إلى 11.8 مليون شخص تغطيتهم الصحية ضمن برنامج “ميديكيد”، بينما قد يخسر 8 ملايين شخص إعاناتهم الغذائية ضمن “سناب”، وهو ما يعادل خُمس المستفيدين. كما أن فرض شروط عمل جديدة على المستفيدين من هذه البرامج قد يعمّق التفاوتات الطبقية، ويزيد من معدلات الفقر والجوع في المجتمعات الريفية والحضرية على السواء.
إنجاز سياسي محفوف بالمخاطر
ورغم احتفاء الجمهوريين بما وصفوه “انتصارًا تاريخيًا” يجسد وعود ترامب بإعادة “عظمة أمريكا”، فإن القانون الجديد قد يتحول إلى عبء انتخابي في المستقبل. فهو يمنح الرئيس دفعة سياسية في ولايته الثانية، لكنه أيضًا يُهدد بتوسيع الهوة الاجتماعية وزيادة الغضب الشعبي، لا سيما في الولايات المتأرجحة التي ستحدد مصير الانتخابات المقبلة.
أقرا أيضا