الوكالات

رومانيا في مواجهة مفتوحة مع بروكسل بسبب العجز المالي المتضخم

رومانيا بين شبح الإفلاس وضغوط بروكسل: تقشف قاسٍ لتفادي الانهيار

في واحدة من أخطر أزماتها المالية منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، تجد رومانيا نفسها على حافة هاوية اقتصادية تستدعي تحركًا عاجلًا. فمع توقعات بأن يصل العجز في الميزانية إلى نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام — وهو الأعلى بين دول الاتحاد — تزداد الضغوط الأوروبية على بوخارست لوضع حد لسجلها المزمن في الإنفاق المفرط وسوء الإدارة المالية.

 

الحكومة الجديدة التي يقودها رئيس الوزراء إيلي بولوجان، والتي تمثل أكثر الأطياف السياسية الموالية للاتحاد الأوروبي في البلاد، تواجه الآن لحظة حاسمة. فإما الانصياع لتوجيهات بروكسل بفرض تقشف قاسٍ يهدد الشعبية والاستقرار، أو مواجهة تبعات اقتصادية كارثية تبدأ بفقدان التمويل الأوروبي، ولا تنتهي بانحدار التصنيف الائتماني للديون السيادية إلى مستوى “الخردة”.

إجراءات موجعة لتفادي السيناريو اليوناني

منذ لحظة تنصيبه، تبنى بولوجان خطابًا صريحًا قائلًا إن البلاد “أكلت بيتزا كبيرة ودفع ثمن بيتزا متوسطة”. وها هو الآن يقر حزمة من الإجراءات التقشفية غير المسبوقة تشمل رفع الضرائب على الغذاء والوقود، وتجميد معاشات ورواتب القطاع العام، وزيادة ساعات العمل للمعلمين، وفرض ضرائب على أرباح البنوك والمقامرات.

 

الهدف من كل ذلك: خفض العجز إلى أقل من 6.5% بحلول عام 2026. لكن الثمن الاقتصادي والسياسي يبدو فادحًا، خصوصًا في ظل مخاوف من تباطؤ النمو وتآكل شعبية الحكومة.

خطر التصنيف الائتماني والذعر من “الخردة”

الهاجس الأكبر الذي يؤرق السلطات في بوخارست هو احتمال خفض تصنيف الدين السيادي إلى مستوى “غير مرغوب فيه” (junk status)، ما يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض، وانهيار الثقة، وتجميد الاستثمارات الأجنبية. رئيس الوزراء حذر صراحة من أن الدولة قد لا تستطيع دفع الرواتب والمعاشات إذا ما فقدت ثقة الدائنين.

بولوغان شدد أيضًا على أن استمرار وصول بلاده إلى أموال الاتحاد الأوروبي — التي تمول مشاريع ضخمة في الطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية — مرتبط بتطبيق إصلاحات مالية عاجلة، وإلا فإن رومانيا ستواجه سيناريو شبيهًا بما حدث في اليونان قبل عقد.

 

الاتحاد الأوروبي يستعد للتدخل المباشر

في اجتماع حاسم يوم الثلاثاء المقبل، من المتوقع أن يصوّت وزراء مالية الاتحاد الأوروبي على خطة صارمة تضع معايير واضحة لما يجب على رومانيا القيام به لاستعادة التوازن المالي. ومع أن بروكسل قد لا تكون قد استوعبت بعد تفاصيل خطة بولوغان التقشفية، إلا أنها ستطالب بوخارست بتقديم موازنة نهائية تستوفي الشروط الأوروبية بحلول 15 أكتوبر المقبل.

 

وتشير تصريحات أعضاء المفوضية الأوروبية إلى نفاد صبرهم، بعد سنوات من وعود رومانية بتقليص العجز دون تنفيذ فعلي. أحد المحللين وصف الموقف بـ”الولد الذي ظل يصرخ بوجود الذئب حتى لم يعد أحد يصدقه”.

 

رئيس جديد… وقيود قديمة

الرئيس نيكوشور دان، المنتخب حديثًا بعد فوزه على مرشح اليمين المتطرف جورج سيميّون، تعهد بمحاربة الفساد، ودعم أوكرانيا، والإبقاء على التوجه الموالي للغرب. لكن واقع الأزمة المالية فرض عليه التراجع عن وعوده السابقة، خصوصًا معارضته المعلنة لرفع ضريبة القيمة المضافة.

 

الآن يجد دان نفسه مضطرًا لدعم حزمة إصلاحات لا تحظى بشعبية، ما يضعه أمام تحديات سياسية داخلية تزداد تعقيدًا مع اقتراب “الخريف السياسي الساخن”.

 

برلمان مطيع… لكن الشارع غاضب

من الناحية التشريعية، يتوقع المراقبون تمرير الإصلاحات بسهولة نسبيًا، نظرًا لتماسك الائتلاف الحاكم المكوّن من أربعة أحزاب. إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في الشارع، حيث تتصاعد مخاوف من احتجاجات شعبية بمجرد دخول أولى مراحل التقشف حيز التنفيذ في أغسطس، تليها موجة ثانية بداية العام المقبل.

 

الخبير السياسي رادو ماغدين قال إن “الشتاء قد يكون أكثر سخونة”، لافتًا إلى أن الصيف يمنح الحكومة هامشًا زمنيًا محدودًا قبل موجة الغضب المنتظرة.

الخبراء: لا خيار آخر

دانييل دايانو، رئيس المجلس المالي في رومانيا، شدد على أن خفض العجز “مؤلم لكنه حتمي”. وأوضح في عرض تقديمي حديث أن البلاد مطالبة بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب معًا، رغم تأثير ذلك على النمو الاقتصادي.

 

تحذيرات دايانو تأتي في وقت تُظهر فيه المؤشرات الاقتصادية هشاشة النمو، واحتمال دخول البلاد في ركود إذا ما طُبّقت الإجراءات دون تخفيف تدريجي أو برامج حماية اجتماعية موازية.

المعضلة: تقشف أو انهيار

المفارقة أن رومانيا، التي باتت من أكثر الدول الموالية للاتحاد الأوروبي، تجد نفسها الآن في مواجهة مع بروكسل بسبب إخفاقات الحكومات السابقة. بولوغان يؤكد أن الخروج من الأزمة يتطلب الصدق أولًا، والإرادة ثانيًا. أما البديل، فهو العودة إلى عزلة مالية وفقدان الثقة، في وقت تحتاج فيه البلاد بشدة إلى الاستثمار والاستقرار.

هل تصمد بوخارست أمام اختبار “الخريف الساخن”؟

بين التهديد الأوروبي والضغوط الداخلية، تقف الحكومة الرومانية على حافة رفيعة بين الانهيار والإصلاح. وتبدو الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة في تقرير ما إذا كانت البلاد ستتمكن من ضبط ميزانيتها دون إثارة اضطرابات اجتماعية، أم أنها ستنضم إلى قائمة الدول التي خذلتها الإصلاحات المتأخرة.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى