عربي وعالمي

إسرائيل تقصف وزارة الدفاع السورية في دمشق: تصعيد جديد وسط نيران طائفية تتسع جنوباً

السويداء

في تطور بالغ الخطورة وصفته صحيفة الجارديان بأنه “تصعيد غير مسبوق”، شنّت إسرائيل غارات جوية مزدوجة استهدفت مبنى وزارة الدفاع السورية في قلب العاصمة دمشق، ما أسفر عن تدمير واجهته وانهيار أربعة طوابق منه. وتأتي هذه الضربة في اليوم الثالث على التوالي من القصف الإسرائيلي ضد مواقع تابعة للجيش السوري، وسط تصاعد التوترات في الجنوب السوري الذي يشهد اشتباكات دامية بين قوات النظام ومجموعات درزية مسلحة. ويُنظر إلى هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي كعنصر إضافي يعمّق تعقيدات المشهد السوري، ويُنذر بتحولات إقليمية قد تتجاوز حدود الأزمة الداخلية، لتفتح الباب أمام مواجهات أوسع في الجغرافيا السورية الملتهبة.

رسالة مباشرة من تل أبيب إلى دمشق

بحسب بيان للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، فإن الغارات على مقر وزارة الدفاع جاءت “رسالة واضحة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع” بسبب التطورات في محافظة السويداء، معقل الدروز في الجنوب. إسرائيل أوضحت أنها لن تسمح بوجود الجيش السوري في تلك المنطقة، مشيرة إلى أنها “تحمي الدروز من الحكومة المركزية”. ومع أن بعض الدروز يرفضون الوصاية الإسرائيلية، فإن تل أبيب تواصل طرح نفسها كـ”راعٍ للأقلية الدرزية”، في موقف يعمّق الانقسام داخل المجتمع نفسه.

قوات الأمن السورية تنتشر خلال اشتباكات في مدينة السويداء يوم الأربعاء. تصوير: سام حريري/وكالة الصحافة الفرنسية/صور غيتي

اشتباكات طائفية تأكل الجنوب

الضربات الجوية جاءت وسط موجة دموية من العنف الطائفي بين قوات الجيش السوري ومسلحين دروز، اندلعت على خلفية حادثة سرقة ارتكبها أحد عناصر قبائل البدو بحق مواطن درزي. وسرعان ما تطورت الحادثة إلى اشتباكات شاملة بين الطرفين، أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص خلال أربعة أيام فقط، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وسط تحذيرات من انزلاق الأوضاع نحو صراع طائفي واسع النطاق.

عودة الأشباح القديمة بعد سقوط الأسد

منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر العام الماضي، تشهد سوريا فراغًا أمنيًا وسياسيًا استغلته إسرائيل في الجنوب لتوسيع وجودها العسكري، بالتوازي مع إطلاق مئات الغارات الجوية ضد ما تسميه “بنى تحتية معادية”. الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع حاولت بسط نفوذها، لكنها تواجه تمردًا أهليًا متصاعدًا في مناطق مثل السويداء، حيث تسعى الأقلية الدرزية للحصول على حكم ذاتي.

فوات اسرائيلية على حدود سوريا

الجيش السوري في السويداء: تهدئة أم استفزاز؟

دخلت وحدات الجيش السوري إلى محافظة السويداء يوم الأحد في محاولة “لإعادة الاستقرار”، بدعم من بعض الزعامات الدينية الدرزية. ورغم إعلان وقف لإطلاق النار يوم الثلاثاء، إلا أن الهدنة لم تصمد لساعات، واندلعت الاشتباكات مجددًا، وسط تقارير عن انقسامات داخل القيادات الروحية الدرزية، خاصة بين الشيوخ الداعين للتهدئة وآخرين مثل الشيخ حكمت الحِجري المطالبين بتدخل دولي لحماية الدروز.

المدنيون تحت النار: قناصة وانقطاع للخدمات

وسط الفوضى، عانى المدنيون في السويداء أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة. تحدثت شهادات عن عائلات حوصرت في منازلها مع انقطاع الكهرباء والمياه، في حين روى أحد المعلمين مشاهدته لجاره يُقتل برصاص قناص، دون أن يتمكن أحد من سحب الجثة بسبب استمرار إطلاق النار.

تل أبيب تُحكم قبضتها على الجنوب

منذ سقوط النظام السابق، لم تكتفِ إسرائيل بالضربات الجوية، بل وسّعت انتشارها البري داخل الأراضي السورية الجنوبية، وتحديدًا في المناطق الحدودية مع الجولان المحتل. ورغم بعض الاتصالات السابقة التي هدفت إلى خفض التوتر بين تل أبيب ودمشق، فإن التصعيد الأخير يضع هذه المحاولات في مهب الريح، ويعيد العلاقة إلى مربع العداء المكشوف.

غضب درزي يتجاوز حدود سوريا

أحداث السويداء أثارت غضبًا واسعًا داخل الطائفة الدرزية الممتدة في الجولان وفلسطين ولبنان. وذكرت التقارير أن بعض الدروز في الجولان المحتل حاولوا عبور الحدود نحو سوريا للانضمام إلى المعارك، قبل أن تعترضهم القوات الإسرائيلية. وفي خطوة استثنائية، عززت تل أبيب وجودها العسكري على الحدود، تحسبًا لتصعيد شعبي أو حتى تسلل مسلحين.

أفراد من الطائفة الدرزية الإسرائيلية يتجمعون عند السياج الحدودي الفاصل بين مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل وسوريا. تصوير: ليو كوريا/أسوشيتد برس

نتنياهو يحذر: لا تعبروا الحدود

ردًا على التحركات داخل مجتمع الدروز في إسرائيل، خرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتحذير مباشر: “لا تعبروا الحدود، أنتم تخاطرون بحياتكم… قد تُقتلوا أو تُختطفوا”. دعوته جاءت في سياق محاولة لاحتواء تصاعد محتمل داخل الجمهور الدرزي الإسرائيلي الذي يتابع بقلق ما يحدث لأقاربه في سوريا.

إسرائيل من “الظل” إلى “الواجهة”

بعد أعوام من الضربات الموضعية المحدودة، يبدو أن إسرائيل اختارت تجاوز منطق الردع التقليدي نحو استراتيجية تدخل مباشر وواضح في الخارطة السورية الجديدة. فالهجوم على مقر وزارة الدفاع ليس مجرد ضربة عسكرية، بل رسالة سياسية تقول فيها تل أبيب إنها طرف فاعل في مستقبل سوريا، وليس مجرد مراقب على خطوط التماس.

خاتمة: هشاشة سوريا الجديدة أمام نيران الخارج والداخل

المشهد السوري اليوم يزداد تعقيدًا، مع تفجر الصراعات الطائفية، وعودة التدخلات الخارجية بوجوه جديدة. فبين طموحات الأقلية الدرزية في الاستقلال، وتردد الحكومة الانتقالية في فرض النظام، وتصعيد إسرائيلي متسارع، تبدو “سوريا ما بعد الأسد” عرضة للانهيار من الداخل، أو التحوّل إلى ساحة صراع إقليمي بامتياز. وفي هذا التوقيت الحرج، لا يبدو أن أحدًا يمتلك الحل، لكن الجميع يمتلك البنادق.

إقرأ ايضَا:

من الحليف إلى الصدمة: قصة صعود التوتر بين أمريكا وأوروبا

 

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى