مرأة ومنوعات

كريبتو يسرق الأضواء: سوبرمان الجديد يعيد تعريف “ملكية الكلاب” بلا رومانسية

كريبتو يسرق الأضواء

 

في خضم الفوضى السردية التي تميّز بها فيلم “سوبرمان” الجديد للمخرج جيمس غن، يظهر عنصر واحد فقط حافظ على تماسكه وأثار إعجاب الجمهور: الكلب كريبتو. فبينما تاهت القصة بين نبرات متضاربة وشخصيات زائدة بلا وظيفة درامية واضحة، جاء هذا الكلب المشاكس ليجذب الانتباه، لا لأنه مخلص أو عاطفي كما تعوّدنا في أفلام هوليوود، بل لأنه ببساطة كلب حقيقي… مزعج، غير مطيع، ومدمّر.

الكلب الذي قلب توقعات الجمهور

 

كريبتو ليس بطلًا خارقًا ببدلة لامعة، بل أقرب إلى كلب شارع عنيد. لا يستجيب للأوامر، يفتك بالأجهزة من حوله، ويتسبب في فوضى عارمة أينما حلّ. ورغم ذلك، أو ربما بسببه، أثار الكلب إعجاب المشاهدين الذين وجدوا فيه شيئًا مألوفًا وصادقًا، وهو ما انعكس في قفزة كبيرة في معدلات البحث على غوغل عن تبني الكلاب خلال أسبوع عرض الفيلم، بلغت 513٪.

هوس جماهيري بفضل كلب فوضوي

 

بحسب بيانات تطبيق Woofz لتدريب الكلاب، لم تقتصر الطفرة على البحث عن تبني أي كلب، بل ظهرت رغبة واضحة في تبني كلاب من نوع كريبتو نفسه – وهو مزيج بين شنوزر وتيرير – حيث ارتفعت عمليات البحث عن “تبني شنوزر” بنسبة 300٪ تقريبًا. ويبدو أن كريبتو أصبح ملاذًا للجمهور الهائم وسط فوضى سردية لم تُقنع، فاختاروا التعلق بما يمكن فهمه: كلب جامح يعبّر عن الحقيقة المزعجة والجميلة في آن.

عكس الصورة الهوليوودية الزائفة

خلافًا للكلاب التي تصنع المعجزات في أفلام مثل Marley & Me أو Turner and Hooch، والتي تموت غالبًا بعد أن تساهم في إصلاح حياة أبطالها، لا يقدم كريبتو دروسًا في الحب أو الحياة. بل يزيد الأمور سوءًا، كما في مشهده الأول حين يكون سوبرمان جريحًا ويطلب مساعدته، فيقابل كلبه ذلك بالقفز فوقه بحماس، ما يزيد من إصاباته بدلًا من إنقاذه. الكلب متحمّس، نعم، لكنه غير مفيد. تمامًا كما يحدث في الواقع.

لا توبة ولا عبرة… ولا موت عاطفي

المفارقة الأجمل في سردية كريبتو أنه لا يخضع لأي تطور درامي تقليدي. لا يتعلم شيئًا، ولا يصبح “أفضل كلب”، ولا يذرف أحد الدموع عليه. بل في نهاية الفيلم، تظهر “سوبرغيرل” وتأخذه ببساطة، فيما لا يُبدي سوبرمان أي اكتراث. النهاية جاءت باردة، لكنها صادقة، وتجنّبت الوقوع في فخ التهذيب العاطفي الزائف.

الإلهام الواقعي خلف الشخصية

المخرج جيمس غن لم يختلق كريبتو من فراغ، بل استلهمه من كلب حقيقي تبنّاه بنفسه واسمه “أوزو”، جاء من وضع بائس عاش فيه مع 60 كلبًا آخر في حديقة خلفية. بحسب غن، كان أوزو “كارثيًا”، حطّم الأثاث، أكل الحاسوب المحمول، ولم يكن يثق بالبشر. ولعل التفكير في “ماذا لو كان لأوزو قوى خارقة؟” كان الشرارة التي صنعت كريبتو.

واقعية قاسية… لكن ضرورية

بعيدًا عن الدموع والموسيقى التصويرية المؤثرة، يقدّم كريبتو تجربة مختلفة ومزعجة في آن. إنه يمثل الواقع الصعب الذي يعيشه كل من يمتلك كلبًا جديدًا: الخوف، عدم الفهم، والخراب. وهذه الواقعية، وإن كانت قاسية، أقرب إلى قلوب الجمهور من أي مشهد وداع درامي آخر. لكن يبقى السؤال: هل سيكون هذا الحماس لتبنّي الكلاب حقيقيًا ومستدامًا؟ أم أننا سنشهد بعد أشهر مراكز إنقاذ ممتلئة بكلاب شنوزر تُركت بعد أن خيّبت آمال أصحابها الجدد؟

سخرية محببة من ثقافة الكلاب السينمائية

فيلم “سوبرمان” لا يقدّم كلبًا بطوليًا، بل يسخر من النمطية العاطفية التي وضعت الكلاب دائمًا في دور المعالج النفسي للمشاهد. كريبتو، في فوضاه وعدم اكتراثه، يعكس فهماً أعمق لعلاقة الإنسان بالكلب: علاقة فوضوية، جميلة، لكنها بلا ضمانات. وبينما يتخبط الفيلم في نبرة غير مستقرة، يبقى كريبتو، رغم كل شيء، الأكثر وضوحًا وصدقًا.

اقرأ ايضا

من بيت لانغستون هيوز إلى توني موريسون: بيوت بلا لافتات ولا ذاكرة

 

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى