الاتحاد الاوروبي لايحتاج الي صفقه مع ترامب: لماذا علي بروكسل التوقف عن تقديم التنازلات ؟
الاتحاد الأوروبي أمام تحدي المواجهة مع ترامب: لماذا لا حاجة لصفقة؟

في الوقت الذي تتجه فيه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى اسكتلندا للقاء دونالد ترامب في مرحلة حاسمة من المحادثات التجارية، يلوح في الأفق شبح فرض رسوم جمركية جديدة من قبل واشنطن على صادرات الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يجادل الكاتب الاقتصادي مارتن ساندبو بأن الاتحاد الأوروبي ليس في حاجة لصفقة مع ترامب – بل على العكس، عليه أن يواجه ولا يفاوض. فالاتحاد يمتلك من الأدوات والقوة الاقتصادية ما يكفي لردع الابتزاز الأمريكي، خاصة في ظل تجربة السنوات الماضية التي أظهرت أن “الصفقات” مع ترامب لا تساوي الورق الذي كُتبت عليه.
في هذا التحليل نعيد تفكيك أطروحة ساندبو التي تقوم على عدة محاور أساسية، نوضح من خلالها لماذا لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتورط في اتفاقات هشة، ولماذا قد يكون الانسحاب من المحادثات هو الورقة الرابحة.
لا يوجد اتفاق نهائي حقيقي مع ترامب
يشدد ساندبو على أنه لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتعامل مع الأمر كما لو أنه تفاوض تقليدي سينتج عنه “أفضل صفقة ممكنة”. فالتجارب السابقة، سواء مع كندا والمكسيك (USMCA) أو حتى اليابان، تثبت أن ترامب لا يحترم حتى الاتفاقات الموقعة. إذ غالبًا ما تُستخدم الاتفاقات كأدوات استعراضية لعرض إعلامي، ثم تُنقض أو تُفرغ من مضمونها لاحقًا.
ومن ثم، فإن فكرة التوصل إلى صفقة “مستقرة” مع إدارة مثل إدارة ترامب هي مجرد وهم سياسي. ما ينتظر الاتحاد هو مزيد من الفوضى والتقلبات، وربما استخدام الاتفاق كورقة ضغط لابتزاز بروكسل في ملفات أخرى، كما حدث مع دول مثل البرازيل.
الولايات المتحدة ليست قوية كما تعتقد
رغم الانطباع السائد بأن الميزان التجاري يميل بشدة لصالح الاتحاد الأوروبي، إلا أن الأرقام الحديثة تكشف واقعًا مختلفًا. فبينما يسجل الاتحاد الأوروبي فائضًا في تجارة السلع، إلا أنه يعاني عجزًا في تجارة الخدمات والمدفوعات المرتبطة بالملكية الفكرية، ما يؤدي إلى توازن في الحساب الجاري بين الطرفين، بل أحيانًا إلى عجز أوروبي طفيف.
بعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة ليست في موقع يسمح لها بفرض شروطها دون مخاطرة. فكما تفرض واشنطن تعريفات جمركية على السيارات أو المواد الغذائية، يستطيع الاتحاد أن يرد بقيود على الخدمات الأمريكية أو الحقوق الفكرية أو شركات التكنولوجيا الكبرى التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأوروبية.
بروكسل تملك أدوات ردع حقيقية عبر “آلية مكافحة الإكراه”
واحدة من أقوى أدوات الردع الأوروبية التي تجاهلتها الحكومات حتى الآن هي “آلية مكافحة الإكراه” (ACI)، التي تمنح المفوضية الأوروبية صلاحيات واسعة للرد على أي محاولة من دولة أجنبية لتوجيه السياسات الأوروبية باستخدام الضغط الاقتصادي. وقد طُورت هذه الآلية في الأصل لمواجهة الممارسات الصينية، إلا أن ممارسات ترامب تنطبق عليها تمامًا.
الجميل في هذه الآلية أنها لا تتطلب إجماع الدول الأعضاء، بل فقط أغلبية مؤهلة، مما يجعل تفعيلها أمرًا واقعيًا وسريعًا. ويمكن استخدامها لفرض قيود على الاستثمارات الأمريكية، أو على الملكية الفكرية، أو حتى الوصول إلى الأسواق العامة الأوروبية.
دوافع أوروبا الداخلية تتوافق مع المواجهة
من الناحية الاقتصادية، فإن أوروبا بحاجة إلى تقليص اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية، لا سيما في قطاعات مثل الخدمات الرقمية والحوسبة السحابية. من هنا، فإن الرد على ترامب عبر تقييد نفوذ “بيغ تيك” مثل غوغل وأبل وأمازون لا يخدم فقط سياسة الردع، بل أيضًا أهداف السيادة الرقمية الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تباطؤ التجارة بسبب فرض التعريفات قد يُسهم في تقليص فائض الحساب الجاري للاتحاد الأوروبي – وهو أمر تطمح له بعض الدول لتوجيه الموارد نحو الاستثمار الداخلي والبنية التحتية.
المستهلك الأوروبي أكثر استعدادًا للتخلي عن المنتجات الأمريكية
تشير الدراسات الحديثة إلى أن المستهلكين الأوروبيين على استعداد لمقاطعة المنتجات الأمريكية، ليس فقط بسبب زيادة الأسعار الناتجة عن التعريفات، بل أيضًا كاستجابة سياسية أو ثقافية لنهج ترامب العدائي. هذه “المرونة الاستهلاكية” تعني أن فرض قيود على البضائع الأمريكية لن يؤدي بالضرورة إلى سخط شعبي، بل قد يحظى بقبول جماهيري واسع.
من التفاوض إلى التحصين: استراتيجية بديلة لبروكسل
المطلوب من الاتحاد الأوروبي، وفقًا لساندبو، ليس التفاوض من أجل صفقة غير قابلة للاستمرار، بل بناء دروع وقائية اقتصادية ضد تقلبات السياسة الأمريكية. ويشمل ذلك حماية الشركات الأوروبية من التعرض المفرط للسوق الأمريكية، وتنويع الأسواق، وتعزيز الاعتماد على الذات في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والدفاع.
لا حاجة للمفاوضات، بل للمواجهة الحكيمة
يختتم ساندبو تحليله بأن الاتحاد الأوروبي لا يحتاج إلى صفقة – بل إلى موقف. لا يوجد أي سبب جوهري يدعو بروكسل للتفاوض مع إدارة أمريكية متقلبة تستخدم التجارة كسلاح. الانسحاب من المحادثات قد يكون، في ظل التوازن الحالي للقوة، ورقة ضغط فعالة، لا ضعفًا. وربما آن الأوان لقادة الاتحاد أن يتوقفوا عن تقديم الأمل الزائف للمواطنين والشركات حول إمكانية تحقيق استقرار مع واشنطن، وأن يركزوا بدلًا من ذلك على تعزيز القدرة الذاتية الأوروبية.