غراهام يدعو لتكرار سيناريو طوكيو وبرلين في غزة:القوه لا التفاوض
غراهام يدعو لإعادة تشكيل غزة بالقوة: "سيناريو طوكيو وبرلين" في الأراضي المحتلة

في تصريحات أثارت جدلاً واسعًا داخل الأوساط السياسية الأمريكية والدولية، طرح السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام رؤية جديدة تتسم بالتصعيد لحسم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، معتبرًا أن الخيار العسكري الشامل بات الطريق الوحيد لإنهاء الحرب بما يحقق “أمن إسرائيل”. جاءت تصريحاته في وقت تمر فيه غزة بأسوأ أزمة إنسانية منذ عقود، وسط تصاعد التحذيرات الدولية من مجاعة وشيكة تطال ربع سكان القطاع.
غراهام، الذي يعد من أقرب الأصوات الجمهورية للرئيس دونالد ترامب، قارن الوضع الراهن في غزة بما جرى في الحرب العالمية الثانية، داعيًا إسرائيل إلى “أخذ غزة بالقوة ثم البدء من جديد”، في إشارة إلى النموذج الأمريكي في طوكيو وبرلين عقب هزيمتهما العسكرية. وبينما أعلن الجيش الإسرائيلي عن وقف مؤقت للعمليات العسكرية في ثلاث مناطق رئيسية لتسهيل دخول المساعدات، فإن فرص الحل السياسي بدت أبعد من أي وقت مضى، خاصة بعد انسحاب واشنطن من مسار التفاوض مع حركة حماس، ووصم الأخيرة بعدم الجدية و”الرغبة في الموت”، حسب تعبير ترامب.
وفيما تتزايد الضغوط الدولية لتوسيع المساعدات الإنسانية، فإن واشنطن تبدو اليوم أقرب إلى دعم الحسم العسكري من الدفع باتجاه تسوية دبلوماسية.
استراتيجية الحرب الشاملة: العودة إلى منطق “الحرب العادلة”
أعاد غراهام إلى الأذهان استراتيجية “الحسم الكامل” التي تبناها الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، عبر مقارنته بين ما جرى في برلين وطوكيو آنذاك، وبين ما يجب أن يحدث في غزة اليوم. وهو بذلك يدعو إلى تجاوز كل المسارات الدبلوماسية المتعثرة، لصالح استخدام قوة مدمرة تعيد تشكيل الواقع الجيوسياسي للمنطقة. هذه المقاربة تعكس ليس فقط انسداد أفق المفاوضات، بل أيضًا تحوّلًا في المزاج السياسي داخل الدوائر الجمهورية في واشنطن، حيث تنمو القناعة بأن الحل الوحيد لمعادلة غزة هو “تغيير الواقع بالقوة”.
معاناة المدنيين في غزة تزداد تفاقمًا رغم الإشارات العسكرية الإيجابية
في موازاة تصريحات غراهام، أعلنت إسرائيل وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار في ثلاث مناطق مأهولة بالسكان داخل غزة، ما سمح بإدخال مساعدات إنسانية عبر إسقاطات جوية. إلا أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، لا تبدد المخاوف الأممية، حيث لا يزال ربع سكان القطاع يواجهون ظروفًا شبيهة بالمجاعة، بحسب برنامج الغذاء العالمي. وفي هذا السياق، تتزايد النداءات، حتى من أصوات غير متوقعة مثل الكوميدي الأمريكي الشهير ثيو فون، للمطالبة بزيادة تدفق الإغاثة.
انسحاب أمريكي من مسار التفاوض: حماس ليست “شريكًا نزيهًا”
وفقًا لما أعلنه المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، فإن واشنطن انسحبت الأسبوع الماضي من المحادثات مع حماس، بعدما خلصت إلى أن الحركة لا تتصرف بحسن نية ولا تملك تنسيقًا واضحًا. هذه الخطوة تعكس تحولًا في استراتيجية إدارة ترامب، التي باتت تنظر إلى حماس ليس فقط كجماعة متشددة، بل ككيان غير قابل للتفاوض أصلًا. ووصف ترامب، في تعليقه على الوضع، أعضاء حماس بأنهم “يريدون الموت”، في تصعيد لغوي يعكس انسداد الأفق السياسي.
الغطاء الجمهوري للنهج الإسرائيلي: غراهام نموذجًا
لم تكن تصريحات السيناتور ليندسي غراهام الأولى من نوعها، لكنها تمثل علامة فارقة في طريقة التناول الأمريكي للصراع. فبينما دعا كثير من الساسة الديمقراطيين إلى وقف إطلاق النار، اختار غراهام تبني الخطاب الأكثر تطرفًا داخل المعسكر الداعم لإسرائيل، مما يمنح حكومة نتنياهو غطاءً سياسيًا في سعيها للحسم العسكري. هذا التماهي بين بعض الجمهوريين وقيادة الجيش الإسرائيلي يكشف عمق التحول في السياسة الأمريكية تجاه الصراع، خاصة في ظل انتخابات رئاسية تلوح في الأفق.
مقارنة صادمة: غزة كطوكيو وبرلين
ربما تكون أكثر ما أثار الصدمة في حديث غراهام هو مقارنته بين غزة، المحاصرة والمنكوبة، وبين برلين وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية، حين تم تدميرهما بالكامل قبل إعادة إعمارهما. هذه المقارنة تكشف ليس فقط ميلًا للحسم العسكري، بل أيضًا تصورًا يقوم على إعادة بناء غزة وفق شروط الاحتلال، وربما بوصاية عربية. هذا الطرح يفتح الباب لتساؤلات عن نوايا إسرائيل الحقيقية حيال القطاع، وحدود “مشروع إعادة الإعمار” الذي يجري الحديث عنه.
جذور الاحتلال وذاكرة 1967
استعاد التقرير الأمريكي خلفية تاريخية تشير إلى أن إسرائيل احتلت غزة، التي كانت تخضع للسيادة المصرية، في حرب 1967، ثم انسحبت منها عام 2005، لكنها ظلت تنفذ تدخلات عسكرية متكررة. هذا التذكير بالسياق التاريخي يسلط الضوء على مركزية غزة في العقلية الأمنية الإسرائيلية، ويُظهر أن القطاع لم يكن يومًا خارج الحسابات العسكرية، حتى بعد “الانسحاب”. ويبدو أن السيناريو الذي يطرحه غراهام لا يبتعد كثيرًا عن مبدأ “الاحتلال لإعادة الهيكلة”، لا الانسحاب من أجل السلام.
مستقبل الضفة والقطاع في منظور غراهام
لم يكتف غراهام بالدعوة لتدمير غزة عسكريًا، بل طرح أيضًا تصورًا لمستقبلها، حيث دعا إلى تسليم الضفة الغربية وغزة إلى “العرب”، دون توضيح هوية هؤلاء أو شكل الإدارة المستقبلية. هذا التصور يكشف عن رؤية أمريكية – إسرائيلية مشتركة تقوم على إقصاء حماس وتفكيك سلطتها بالقوة، ثم إحلال جهة عربية محلها، في إطار تسوية إقليمية واسعة. لكن هذا الطرح، الذي يبدو نظريًا حاليًا، يواجه تحديات سياسية وجيوسياسية هائلة في الواقع.
الفجوة تتسع بين الموقف الأمريكي والدولي
في ظل هذه التصريحات، تتسع الفجوة بين الخطاب الأمريكي الجمهوري المتشدد، والمطالبات الدولية بوقف فوري لإطلاق النار وتوسيع المساعدات. إذ بينما ترى الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة أن الحل يكمن في تهدئة عاجلة، يبدو أن واشنطن – تحت تأثير رموز مثل غراهام وترامب – باتت تميل إلى خيار “الحسم النهائي”. ومع تراجع فرص التسوية، تتزايد المخاوف من كارثة إنسانية أوسع نطاقًا، وانزلاق الحرب إلى مستويات غير مسبوقة.