ثورة وشيكة في الطب الإنجابي: علماء يقتربون من إنتاج حيوانات منوية وبويضات في المختبر
باحثون يقولون إننا على بُعد سنوات قليلة فقط من إمكانية خلق خلايا جنسية بشرية من الجلد أو الدم، في تطور قد يغير مفاهيم الإنجاب والجينات إلى الأبد

بين حدود العلم والأخلاقيات، تلوح ثورة بيولوجية في الأفق قد تعيد تعريف مفاهيم الإنجاب، وتفتح الباب أمام أشكال جديدة من العائلة البشرية. في قلب هذه الثورة المحتملة، يكمن مفهوم “تكوين الخلايا الجنسية خارج الجسم” أو In Vitro Gametogenesis (IVG)، الذي يهدف إلى توليد بويضات وحيوانات منوية من خلايا الجسم العادية، مثل الجلد أو الدم. وفقًا للعلماء، لم تعد هذه الفكرة محض خيال، بل قد تصبح واقعًا في أقل من عشر سنوات.
سباق علمي محموم يقوده اليابانيون والأمريكيون
البروفيسور كاتسوهكو هاياشي، أحد الرواد العالميين في مجال الوراثة التطورية من جامعة أوساكا، كشف خلال مؤتمر الجمعية الأوروبية للتكاثر البشري في باريس أن مختبره قد يتمكن من إنتاج خلايا جنسية بشرية مكتملة في غضون سبع سنوات فقط. وأشار إلى أن فرقًا أخرى، منها فريق في جامعة كيوتو وشركة “كونسيبشن بيوسسينس” الأمريكية، تسير بخطى متسارعة أيضًا.
بويضات من الجلد… وأمل للخصوبة المتأخرة
تقوم التقنية على تحويل خلايا الجلد أو الدم إلى خلايا جذعية، ثم إعادة برمجتها لتصبح خلايا جنسية بدائية. بعد ذلك تُزرع هذه الخلايا في هياكل مخبرية تحاكي بيئة الخصية أو المبيض، بحيث تتلقى الإشارات البيولوجية الدقيقة التي توجهها نحو التحول إلى بويضات أو حيوانات منوية مكتملة. ومن أبرز طموحات هذا المجال، مساعدة النساء على الإنجاب في أعمار متأخرة، وتقديم حل للأزواج المصابين بالعقم.
أطفال من أبوين مثليين… أو من والد واحد؟
إن تمكن العلماء من خلق حيوانات منوية من خلايا أنثوية، أو بويضات من خلايا ذكرية، فإن ذلك سيفتح المجال أمام الأزواج المثليين لإنجاب أطفال بيولوجيين. كما يتحدث بعض الباحثين عن إمكانية “أطفال الوالد الواحد” (Uni-babies)، أو حتى أطفال يحملون المادة الوراثية من ثلاثة أو أكثر، في سيناريوهات غير مسبوقة. لكن هاياشي يحذر: “هذه السيناريوهات بعيدة عن الطبيعة، ويجب التعامل معها بحذر بالغ”.
تقدم مذهل في الأعضاء المخبرية
في أحدث إنجازاته، أعلن هاياشي عن تمكن فريقه من توليد خلايا سابقة للحيوانات المنوية داخل نموذج مخبري للخصية لا يتجاوز قطره مليمترًا واحدًا. ورغم أن الخلايا ماتت قبل اكتمال نضجها، إلا أن الباحثين يأملون في حل المشكلة عبر تحسين تدفق الأوكسجين داخل هذه العضويات. بالتوازي، نجح الفريق أيضًا في تطوير نموذج مخبري للمبيض البشري، وهو إنجاز مهم في الطريق نحو إنتاج البويضات البشرية.
مخاوف السلامة: هل يمكن الوثوق بهذه الخلايا؟
رغم أن بعض الفئران التي وُلدت من خلايا جنسية مخبرية عاشت بشكل طبيعي، إلا أن تطبيق هذه التقنية على البشر يثير قلقًا كبيرًا. “علينا أن نتأكد بشكل قاطع من عدم وجود طفرات خطيرة في هذه الخلايا”، يقول هاياشي. ويضيف: “المسؤولية كبيرة، فالخطأ قد ينتقل عبر الأجيال”. في المملكة المتحدة، تُعد هذه الممارسة غير قانونية حاليًا، ويجري النظر في أطر تنظيمية محتملة.
من العقم إلى التحكم في الجينات
بالإضافة إلى معالجة العقم، يرى بعض مؤيدي التقنية أن IVG يمكن أن تُستخدم مستقبلًا لاختيار أجنة خالية من الأمراض الوراثية، أو حتى لتحسين الصفات الجينية. شركة “كونسيبشن بيوسسينس”، التي تحظى بدعم من مستثمرين في وادي السيليكون، تروج للتقنية باعتبارها أداة لمواجهة تراجع معدلات الولادة في العالم. “يمكن أن نوسع نافذة التخطيط الأسري إلى ما بعد سن اليأس”، قال المدير التنفيذي للشركة، مات كريسيلوف.
أين تقف الأخلاقيات وسط كل هذا؟
رغم الحماسة العلمية، يبقى السؤال الأكبر: هل نحن مستعدون مجتمعيًا لهذه القفزة؟ البروفسور آلان باسي من جامعة مانشستر يرى أن الاختراق قادم لا محالة، لكن المجتمع لم يدرك بعد حجم التغير القادم. من ناحيته، يتساءل الخبير في أخلاقيات البيولوجيا هانك غريلي من جامعة ستانفورد: “هل سيرغب أحد في إنجاب طفل من ثلاث أو أربع مواد وراثية؟ في عالم مليء بالأثرياء والمجانين… لا شيء مستبعد”.
المستقبل أقرب مما نعتقد
العديد من العلماء يعتقدون أن بويضات أو حيوانات منوية بشرية مكتملة من خلايا غير جنسية قد تُنتج في المختبر خلال خمس إلى عشر سنوات. البعض يصف هذه الإمكانية بأنها “أعظم إنجاز بيولوجي منذ اكتشاف الإخصاب”، فيما يحذر آخرون من “اللعب بالنار”. لكن المؤكد أن قطار الإنجاب من الخلايا الجسدية قد انطلق بالفعل.