هل يستطيع برنار أرنو إنقاذ إمبراطورية LVMH من الغرق؟

منذ عقود، استطاع برنار أرنو أن يبني إمبراطورية فاخرة لا مثيل لها في العالم، تجمع تحت مظلتها علامات تجارية أيقونية مثل “لوي فيتون” و”ديور” و”مويت & شاندون”، وأن يحول LVMH إلى عملاق يهيمن على سوق الرفاهية العالمي. لكن هذا الصرح، الذي طالما بدا كـ”يخت فاخر” يسير بثبات في بحر الأرباح، يواجه اليوم اضطرابات عاصفة تهدد تماسكه وتدفع المستثمرين إلى التساؤل: هل حان وقت التفكيك؟ وبينما يتراجع الإنفاق في الأسواق الرئيسية، وتتكشف فضائح داخلية، وتبرز منافسة شرسة من علامات أكثر تخصصًا مثل Hermès، يبدو أن برنار أرنو مطالب ليس فقط بإنقاذ الشركة من أزمتها، بل بإعادة تعريف معادلة الفخامة في زمن ما بعد “الانتقام الاستهلاكي”.
صرح ضخم من صفقات متشابكة
تحولت LVMH خلال 40 عامًا إلى كيان متعدد الرؤوس يضم 75 علامة مستقلة، من الأزياء والمجوهرات إلى الفنادق والمشروبات. ساعد هذا التنوع في خلق اقتصاديات حجم كبرى، لكنها اليوم تحولت إلى عبء إداري واستراتيجي، يصعب توجيهه في أوقات الأزمات. وفي ظل تراجع الأرباح، بدأت بعض الأصوات تنادي بفك هذا التكتل الهائل.
انهيار في قلب الأسواق الكبرى
كشفت نتائج النصف الأول من عام 2025 عن انخفاض في الإيرادات بنسبة 4% وتراجع في صافي الأرباح بنسبة 22%. ويعكس هذا تدهورًا في الطلب من الولايات المتحدة والصين، وهما السوقان الأساسيان للمنتجات الفاخرة. كما ساهمت الرسوم الجمركية الأمريكية في تعميق الجرح الأوروبي. النتيجة؟ تراجع القيمة السوقية للمجموعة إلى أقل من 250 مليار يورو، بعدما بلغت ذروتها عند 450 مليار في 2023.
خطايا التسعير في زمن “الانتقام الشرائي”
بعد جائحة كورونا، رفعت LVMH أسعار منتجاتها بشكل مبالغ فيه، ما أثار استياء العملاء. على سبيل المثال، تضاعف سعر حقيبة “سبيدي 30″ من لوي فيتون منذ 2019، بينما ارتفعت الأسعار في السوق الأوروبية للمنتجات الفاخرة بنحو 50% فقط. ووفقًا لـ HSBC، فإن هذه الزيادات فاقت حتى ما فرضته علامات كـ”شانيل” و”غوتشي”
فضائح تضرب السمعة الذهبية
لم تسلم LVMH من سلسلة فضائح طالت سمعتها. فـ”مويت هينيسي”، قسم المشروبات بالمجموعة، يواجه اتهامات بالتحرش والتعسف الوظيفي. كما تم وضع علامة “لورو بيانا” تحت إشراف قضائي في إيطاليا بسبب تعاملها مع موردين ينتهكون حقوق العمال. أما استجابة الشركة لهذه القضايا فجاءت باهتة، على غرار تصريحها: “إدارة هذه المنظومة ليست دائمًا بالأمر السهل”.
إرث أرنو في مفترق طرق
برنار أرنو، البالغ من العمر 76 عامًا، يدير الأزمة بالتوازي مع تحضيرات لخطة خلافة أسرية. جميع أبنائه الخمسة يعملون في مناصب داخل المجموعة، لكن ابنته دلفين، التي تدير “ديور”، تبدو الأقرب لخلافته. ورغم رفعه سن التقاعد مرتين ليبلغ 85 عامًا، يرفض أرنو الحديث علنًا عن الخلافة، ما يثير قلق المستثمرين بشأن مستقبل القيادة.
نزيف قطاع المشروبات الفاخرة
قسم “مويت هينيسي”، الذي كان أحد أعمدة LVMH، يعاني من تراجع الأرباح. فالشباب باتوا أقل استهلاكًا للكحول، خاصة الأنواع الفاخرة كـ”الكونياك”. وتم الإعلان عن تسريح آلاف الموظفين. وأصبح هذا القطاع لا يساهم بأكثر من 10% من أرباح التشغيل، بعدما كان يحقق ضعف ذلك قبل عقد من الزمن.
منافسون يتفوقون بهدوء
في المقابل، تواصل “هيرميس” و”برونيلي كوتشينيلي” تحقيق نمو مستقر، بفضل التزامهم باستهداف النخبة فقط دون السقوط في فخ التوسع المفرط. وتبلغ قيمة “هيرميس” السوقية اليوم أكثر من ضعف أرباحها السنوية، فيما لو تم تقييم “لوي فيتون” بمعايير مماثلة، لفاقت قيمتها السوقية المجموعة الأم بأكملها.
دعوات متزايدة للتفكيك
في 25 يوليو، ترددت تقارير عن نية LVMH بيع “مارك جايكوبس”، إحدى علامات الأزياء التابعة لها. ويرى بعض المحللين أن بيع قطاع المشروبات بالكامل سيكون خطوة أكثر جرأة، خاصة أن “دياجو”، التي تملك ثلث “مويت هينيسي”، أبدت اهتمامًا سابقًا بشراء الحصة المتبقية. لكن، في ظل اضطرابات “دياجو” نفسها، يبقى هذا السيناريو رهن تقلبات السوق.
بين الإبحار والمجهول
برنار أرنو، الذي ارتدى ذات يوم عباءة “الذئب في الكشمير”، يواجه الآن تحديًا حاسمًا. فإما أن يعيد رسملة سفينته المتعثرة ويجد مسارًا جديدًا في محيط مضطرب، أو أن يكون عليه، للمرة الأولى، التفكير في تقليص إمبراطوريته لإنقاذ جوهرها. وبينما يستعد لوراثة محتملة لأبنائه، تبقى معضلة LVMH أكثر تعقيدًا من مجرد أزمة أرباح… إنها أزمة هوية فخمة تبحث عن بوصلة.
اقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يبحث مع نظيرته الألمانية سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري



