الوكالات

تقرير تحليلي: محور الاضطراب – لماذا قد يواجه الناتو بقيادة الولايات المتحدة صعوبات أمام تحالف محتمل بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية؟

مع تصاعد التوترات الدولية، تبرز ملامح معادلة جيوسياسية جديدة قد تقلب موازين القوة العالمية رأسًا على عقب. التحذيرات الأوروبية من نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لخوض مواجهة أوسع مع الناتو بحلول عام 2028، تزامنت مع مشهد رمزي خطير في بكين: بوتين يسير جنبًا إلى جنب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. هذا المشهد، الذي التقطته عدسات الإعلام خلال العرض العسكري الصيني الضخم، أثار مخاوف الغرب من تشكّل ما بات يُعرف بـ “محور الاضطراب”.

العرض العسكري في بكين: قوة رمزية ورسالة استراتيجية

في الثالث من سبتمبر 2025، احتفلت الصين بالذكرى الـ80 لانتصارها على اليابان في الحرب العالمية الثانية، بحضور 26 رئيس دولة. خلال العرض، عرضت بكين أحدث أسلحتها:

صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية.

أسلحة فرط صوتية (Hypersonic Weapons).

طائرات مسيّرة متقدمة تعمل كـ”جناح وفي” للمقاتلات الحديثة.

صواريخ مضادة للسفن قادرة على استهداف حاملات الطائرات.

لكن أقوى صورة لم تكن في الاستعراض العسكري نفسه، بل في التلاقي السياسي بين شي وبوتين وكيم، وهو ما رآه محللون بمثابة إعلان غير رسمي عن تحالف محتمل.

قادة مدى الحياة: استقرار سلطوي مقابل ديمقراطيات متغيرة

ما يزيد من خطورة هذا التقارب أن القادة الثلاثة يتمتعون بسلطات مطلقة تكاد تجعلهم “رؤساء مدى الحياة”. في المقابل، تخضع أنظمة الناتو الديمقراطية لتغيرات سياسية متكررة، وتحتاج الحكومات هناك إلى موافقة برلمانية وشعبية قبل تخصيص موارد ضخمة لأي حرب. هذا الاختلاف البنيوي يمنح محور بكين–موسكو–بيونغ يانغ ميزة في تعبئة الموارد بسرعة.

خلفية تاريخية: تحالف قديم يتجدد

ليست فكرة التعاون العسكري بين هذه الدول جديدة؛ فقد خاضت معركة مشتركة ضد التحالف الأممي بقيادة الولايات المتحدة في الحرب الكورية (1950–1953). دعم الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية آنذاك كوريا الشمالية، في حين دعمت الأمم المتحدة والولايات المتحدة كوريا الجنوبية. وانتهت الحرب بوقف إطلاق نار لا يزال قائماً حتى اليوم. هذه الذاكرة التاريخية تُعيد التأكيد على أن التعاون العسكري بينهم ليس مجرد احتمال نظري.

العلاقات الثنائية: شراكات متشابكة ومصالح مشتركة

روسيا وكوريا الشمالية: وقعتا في يونيو 2024 معاهدة شراكة استراتيجية شاملة تضمنت بندًا دفاعيًا مشابهاً للمادة الخامسة من ميثاق الناتو، أدى إلى إرسال آلاف الجنود الكوريين الشماليين إلى جبهة القتال في منطقة كورسك.

روسيا والصين: أعلنتا عن شراكة “بلا حدود” عام 2022، وتواصل الصين كونها أكبر مستورد للنفط والفحم الروسي، وأبرمت مع موسكو في سبتمبر 2025 صفقة كبرى لبناء خط أنابيب الغاز “قوة سيبيريا 2”.

الصين وكوريا الشمالية: العلاقات التجارية والسياسية مستمرة رغم العقوبات الغربية، وهو ما يجعل بكين شريان حياة اقتصاد بيونغ يانغ.

هذا التشابك الاقتصادي والسياسي، إلى جانب عداء مشترك للغرب، يفتح الباب واسعًا أمام تحالف ثلاثي متين.

التفوق النووي: أرقام تقلق الناتو

وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI)، يمتلك محور روسيا–الصين–كوريا الشمالية حوالي 6,735 رأسًا نوويًا، مقابل 6,305 لدى الناتو.

هذا التفوق العددي في الترسانة النووية، وإن لم يكن العامل الوحيد في ميزان القوى، يضيف ورقة ضغط استراتيجية على الغرب.

المقارنة العسكرية: أرقام صادمة لصالح المحور الجديد

دراسة بريطانية أشارت إلى أن تحالف بكين–موسكو–بيونغ يانغ (CRNK) قد يتفوق على الناتو في العديد من المجالات:

القوات النشطة: 4.67 مليون جندي (مقابل 3.55 مليون للناتو).

القوات الاحتياطية: أكثر من 3 ملايين جندي (مقابل 2.7 مليون للناتو).

الدبابات: 16,894 دبابة (مقابل 14,125).

القوة البحرية: 1,380 قطعة (مقابل 1,143).

لكن الناتو يحتفظ بتفوق نوعي في:

الطائرات المقاتلة: 3,312 (مقابل 2,413).

المروحيات الهجومية: 1,416 (مقابل 858).

حاملات الطائرات: 16 (مقابل 7 فقط للمحور).

مع ذلك، يشير خبراء إلى أن الصواريخ الفرط صوتية المضادة للسفن قد تحد من تفوق الناتو البحري.

ميزة إضافية: القوات الروسية المتمرّسة

القوات الروسية تقاتل منذ أكثر من ثلاث سنوات في أوكرانيا، ما جعلها أكثر “صلابة ميدانية” مقارنة بجيوش الناتو التي لم تواجه خصمًا ندًا منذ عقود. هذا العامل يزيد من خطورة أي مواجهة مباشرة.

سيناريوهات المواجهة: تهديد مزدوج لأوروبا وآسيا

 

يحذر الخبراء من إمكانية شن هجوم متزامن:

روسيا قد تتحرك نحو دول البلطيق (لاتفيا، إستونيا، ليتوانيا).

الصين قد تقدم على غزو تايوان بالقوة.

تنفيذ هجوم كهذا في مسرحين مختلفين قد يشتت قدرات الناتو ويعرضه لهزيمة حاسمة.

خلاصة: الغرب أمام تحدٍ وجودي

إن تشكّل محور روسيا–الصين–كوريا الشمالية لا يعني فقط سباق تسلح جديد، بل تهديدًا وجوديًا لتماسك الناتو نفسه. ففي وقت يعتمد فيه الغرب على التفوق التكنولوجي والدبلوماسية المتعددة الأطراف، يملك المحور الجديد القدرة على حشد موارد بشرية وعسكرية ضخمة في ظل أنظمة سلطوية غير مقيدة بضغوط الرأي العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى