الوكالات

اتفاق غزة: ترامب يفرض إرادته ونتنياهو تحت المجهر الدولي

بعد تسعة أشهر في البيت الأبيض، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ضاق ذرعًا بحليفه الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي عرقل طموحه في تقديم نفسه كـ”صانع سلام عالمي”. وخلال الأسابيع الأخيرة، مارس ترامب ضغوطًا غير مسبوقة على رئيس الوزراء الإسرائيلي لإجباره على القبول بوقف لإطلاق النار في غزة، بعد حرب وُصفت بـ”الإبادة الممتدة”. الخميس، وافقت إسرائيل وحماس على المرحلة الأولى من خطة السلام الأمريكية التي تتضمن تبادلًا للأسرى وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من القطاع، وسط تساؤلات حول الضمانات الأمريكية لمنع نتنياهو من العودة إلى التصعيد.

من “رِيفييرا غزة” إلى هدنة محتملة

قبل أشهر فقط، كان ترامب متمسكًا برؤية غريبة لتحويل غزة إلى “ريفيرا شرق أوسطية” تحت إدارة أمريكية. لكن تزايد الانتقادات الدولية ضد الحرب، وضغوط الحلفاء العرب، دفعته لتغيير مساره والبحث عن اتفاق فعلي يوقف النزيف. ورغم استمرار الشكوك حول دوافعه، يرى مراقبون أن رغبته في تسجيل “إنجاز باسمه” هي العامل الأبرز وراء تدخله المباشر لإنهاء الحرب التي أودت بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني وأغرقت القطاع في مجاعة.

نتنياهو بين السياسة والبقاء

لطالما استخدم نتنياهو الحرب كورقة سياسية لتجنب انتخابات مبكرة، وتأجيل محاكمته في قضايا فساد. ومع تصاعد الانتقادات الدولية ومذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضده، بدا أن ضغوط ترامب جاءت في لحظة حاسمة. فبعد الغارة الإسرائيلية على الدوحة التي استهدفت قادة من حماس، توترت علاقات تل أبيب مع قطر والسعودية والإمارات، ما دفع ترامب إلى التدخل لحماية مصالحه الاقتصادية وعقوده بمليارات الدولارات في المنطقة.

خطة ترامب و”تعديلات نتنياهو”

اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض أفضى إلى إعلان خطة سلام من 21 بندًا، تتضمن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وانسحابًا تدريجيًا من غزة. لكن نتنياهو أدخل تعديلات جوهرية على الجدول الزمني للانسحاب، وأصر على إبقاء قواته في أكثر من نصف القطاع بحجة “الأمن”. النتيجة: خطة أقرب إلى استسلام مشروط من كونها اتفاق سلام، ما أثار مخاوف عربية من فشلها قبل أن تبدأ.

اتفاق هشّ وضغوط مستمرة

رغم التحفظات، وافق حماس مبدئيًا على بعض بنود الاتفاق، مع الدعوة إلى مفاوضات إضافية لتعديل البنود المثيرة للجدل. وبعد اتصال متوتر بين ترامب ونتنياهو، نجح الرئيس الأمريكي في دفعه إلى القبول بالمرحلة الأولى من الخطة. لكن الحفاظ على الهدنة سيعتمد على مدى استعداد ترامب للاستمرار في الضغط على نتنياهو ومنع تكرار سيناريو مارس الماضي، حين خرق الأخير وقف النار واستأنف الهجوم على غزة.

مستقبل العلاقات بين واشنطن وتل أبيب

المرحلة المقبلة ستكشف ما إذا كان ترامب قادرًا على تحويل نفوذه على نتنياهو إلى مسار سياسي دائم، أم أن الأمر لا يعدو كونه هدنة مؤقتة تخدم طموحاته الانتخابية. فالعلاقة بين واشنطن وتل أبيب تدخل مرحلة اختبار غير مسبوق، مع تزايد الضغوط الدولية لإنهاء الحرب ومحاسبة إسرائيل على جرائمها في غزة. وإذا فشل ترامب في ضبط اندفاع نتنياهو، فقد يجد نفسه أمام أزمة ثقة مع الحلفاء العرب، ويخسر ورقته الأهم في ملف الشرق الأوسط الذي يحاول إعادة صياغته على طريقته الخاصة.

اقرا ايضا

“سننتصر”.. نوبل السلام لمعارِضة فنزويلا ماريا كورينا ماشادو

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى