إسرائيل تواصل قصف غزة مع وصول مفاوضي خطة ترامب إلى القاهرة

في الوقت الذي لا تزال فيه أصوات الانفجارات تتردد في أرجاء قطاع غزة، يتوافد المفاوضون إلى العاصمة المصرية القاهرة على أمل وضع حدٍ لحربٍ استمرت قرابة عامين. وبينما أودت الغارات الإسرائيلية الأخيرة بحياة 63 فلسطينيًا خلال 24 ساعة فقط، تُعقد الأنظار على المحادثات التي يُنتظر أن تحدد مصير خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب. الخطة التي أثارت الجدل منذ طرحها، تجمع بين البعد الإنساني والسياسي، إذ تركز على إطلاق الرهائن ووقف إطلاق النار مقابل انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية. ومع تصاعد التوترات الميدانية، يخيّم مزيج من الحذر والأمل على أجواء المفاوضات التي قد تشكّل آخر فرصة لتجنب تصعيد جديد في قطاعٍ أنهكته الحرب والجوع والدمار.
القاهرة تستضيف الجولة الحاسمة من المفاوضات
أكدت وزارة الخارجية المصرية أن محادثات يوم الإثنين ستركز على المرحلة الأولى من خطة ترامب، والتي تنص على إطلاق سراح 48 رهينة ما زالوا في قبضة حركة حماس، مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية. ومن المتوقع أن يشارك في المفاوضات مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، إلى جانب وفود من إسرائيل وحماس برئاسة خليل الحية نائب رئيس المكتب السياسي للحركة. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بدروسيان، إن المحادثات ستكون “محدودة لبضعة أيام فقط”، ما يعكس رغبة الأطراف في حسم الملفات العالقة بسرعة. ومع ذلك، تبدو الطريق إلى اتفاق شامل محفوفة بالتحديات السياسية والميدانية.
خطة ترامب: بين التفاؤل والشكوك
الخطة الأمريكية التي أعلنها ترامب تطرح جدولًا زمنيًا مكثفًا لإنهاء الحرب في غضون أيام. فهي تنص على أن تُفرج حماس عن جميع الرهائن خلال 72 ساعة، وتسلّم السلطة إلى هيئة دولية انتقالية بإشراف أمريكي، مقابل انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية وإطلاق أكثر من ألف أسير فلسطيني. كما تتضمن الخطة إدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة وتمويلًا لإعادة الإعمار في المناطق التي تعاني من مجاعة ودمار واسع. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى تحفظًا، مؤكدًا أن قواته “ستبقى في معظم مناطق القطاع” حتى بعد أي اتفاق، في حين حذر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن “الخلافات اللوجستية” قد تعرقل التنفيذ رغم أن المحادثات الحالية تمثل “أقرب فرصة لإطلاق جميع الرهائن”.
تصعيد ميداني رغم الدعوات للتهدئة
ورغم دعوات ترامب إلى وقف القصف وبدء هدنة فورية، واصل الجيش الإسرائيلي عملياته الجوية في القطاع، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص في مدينة غزة وأربعة آخرين في الجنوب أثناء بحثهم عن المساعدة. وقالت المتحدثة الإسرائيلية بدروسيان إن “بعض الضربات قد توقفت داخل غزة، لكن لا يوجد وقف لإطلاق النار حتى الآن”، ما يعكس هشاشة الوضع الميداني. وأوضح مراقبون أن استمرار الغارات يهدد بتقويض المفاوضات الجارية في القاهرة، خاصة أن حركة حماس أبدت استعدادها “للتوصل إلى اتفاق وإنهاء الحرب فورًا”. وفي ظل هذا التصعيد، تتزايد الضغوط الدولية على تل أبيب، مع دعوات متكررة من العواصم العربية والغربية لوقف فوري لإطلاق النار.
الدعم الدولي يتنامى للخطة الأمريكية
شهدت الساعات الأخيرة حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا دعمًا لخطة ترامب، إذ أجرى المستشار الألماني فريدريش ميرتس اتصالًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصف فيه الخطة بأنها “أفضل فرصة لتحقيق السلام” في المنطقة. كما أعلنت واشنطن أن جهودها السياسية “تقترب أكثر من أي وقت مضى من لحظة اتفاق شامل”، بينما أبدت حماس رغبتها في تنفيذ تبادل الأسرى بما يتوافق مع “الظروف الميدانية”. ويأمل المسؤولون الإسرائيليون في الإعلان عن نهاية الحرب خلال الأيام المقبلة، لكن التباين بين المواقف السياسية والعسكرية يجعل المشهد أكثر تعقيدًا. فبينما تتحدث واشنطن عن تسوية، لا تزال أصوات المدافع الإسرائيلية تملأ سماء القطاع.
غزة بين الجرح والرجاء
بحسب وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد القتلى منذ اندلاع الحرب أكثر من 67 ألف شخص، فيما تجاوز عدد الجرحى 170 ألفًا، نصفهم من النساء والأطفال. وقد وصفت الأمم المتحدة وعدة منظمات حقوقية ما يجري بأنه “إبادة جماعية”، في حين تصر إسرائيل على أنها “تدافع عن نفسها” ضد هجوم حماس الذي أوقع 1,200 قتيل وأدى إلى أسر 251 شخصًا. وبين هذا وذاك، تبقى غزة مدينة منكوبة تتأرجح بين الركام والأمل، تنتظر من يضع حدًا لنزيفها الطويل. أما المفاوضات في القاهرة، فإما أن تكون خطوة نحو سلام طال انتظاره، أو محطة أخرى تضاف إلى سجل الفرص الضائعة في صراعٍ لا يعرف نهاية.